Sunday, December 17, 2006

الوعي و اللاوعي


الوعي و اللاوعي
ها إن الناس جميعا أو يكادون، يتفقون على إكساب كل ما هو نفسي سمة عامة تعبر عن جوهره ذاته، وهذا أمر غريب. هذه السمة الفريدة، التي يتعذر وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، هي الوعي. فكل ما هو واع نفسي، وعلى عكس ذلك فكل ما هو نفسي واع. وهل ينكر أمر على هذا القدر من البداهة ؟ ومع ذلك فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما وصّح لنا ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصي العلمي يقف ههنا حسيرا، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلا. (...) فكيف ننكر أن الظواهر النفسية خاضعة خضوعا كبيرا للظواهر الجسديُة، وأنها على عكس ذلك تؤثر فيها تأثيرا قويا ؟ إن أرتج الأمر على الفكر البشري، فقد أرتج عليه يقينا في هذه المسألة، وقد وجد الفلاسفة أنفسهم مضطرين لإيجاد مخرج، إلى الإقرار على الأقل بوجود مسارات عضوية موازية للمسارات النفسيّة ومرتبطة بها ارتباطا يعسر تفسيره (...) وقد وجد التحليل النفسي مخرجا من هذه المصاعب إذ رفض رفضا قاطعا إن يدمج النفسي في الواعي . كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية،
وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها.
(...) ولكن يقي علينا أيضا أن ندحض اعتراضا. فرغم ما ذكرناه من أمور يزعم فريق من الناس أنه لا بجدر بنا أن نعدل عن الرأي القائل بالتماهي بين النفسي والواعي، إذ أن المسارات النفسيّة الني تسمى لا واعية قد لا تكون سوى مسارات عضوية موازية للمسارات النفسية. ومن ثمّ فكأنّ القضية التي نروم حلها لم تعد إلا مسألة تعريف لا طائل تحتها (...) فهل من باب الصدفة المحض أننا لم نصل إلى إعطاء الحياة النفسية نظرية جامعة متماسكة إلا بعد أن غيّرنا تعريفها ؟

وفوق هذا علينا أن نتجنّب الاعتقاد بأن التحليل النفسي هو الذي جدد نظرية الحياة النفسية هذه .(...) فقد كان مفهوم اللاشعور يطرق منذ أمد طويل باب علم النفس، وكانت الفلسفة كما كان الأدب يغازلانه، ولكن العلم لم يكن يعرف كيف يستخدمه. لقد تبنى التحليل النفسي هذه الفكرة، وأولاها كل عنايته وأفعمها بمضمون جديد. ولقد عثرت البحوث التحليليّة النفسيّة على خصائص للحياة النفسيّة اللاواعية لم تكن قبل ذلك متوقعة، وكشفت بعض القوانين التي تتحكم فيها. ولسنا نقصد من ذلك أن سمة الوعي قد فقدت من قيمتها في نظرنا. فما زال الوعي النور الوحيد الذي يسطع لنا ويهدينا في ظلمات الحياة النفسية. ولما كانت معرفتنا ذات طبيعة مخصوصة، فان مهمتنا العلمية في مجال علم النفس ستتمثل في ترجمة المسارات اللاواعية إلى مسارات واعية حتى نسد بذلك ثغرات إدراكنا الواعي.
فرويد
" مختصر في التحليل النفسي "
***
مهمة الأنا
ثمة قول مأثور ينصح الإنسان بألاّ يخدم سيدين في آن واحد. و الأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة، وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم . وهذه المطالب متناقضة دوما، وكثيرا ما يبدو التوفيق بينها مستحيلا، فلا غرابة إذن أن يخفق الأنا غالبا في مهمته . وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي والأنا الأعلى و الهو، وحين نعاين ما يبذله الأنا من جهود ليعدل بين الثلاثة معا، أو بالأحرى ليطيعهم جميعا، لا نندم على أننا جسمنا الأنا وأقررنا له بوجود مستقل بذاته ، إنه يشعر بأنه واقع تحت الضغط من نواح ثلاث، وأنه عرضة لثلاثة أخطار متباينة يرد عليها، في حال تضايقه ، بتوليد الحصر. وبما أنه ينشأ أصلا عن تجارب الإدراك ، فهو مدعوّ إلى تمثيل مطالب العالم الخارجي ، غير أنه يحرص مع ذلك على أن يبقى خادما وفيّا للهو، وأن يقيم وإياه على تفاهم ووفاق ، وأن ينزل في نظره منزلة الموضوع ، وأن يجتذب إليه طاقته الليبيدية. وكثيرا ما يرى نفسه مضطرا ، وهو الذي يتولى تأمين الاتصال بين الهو و الواقع ، إلى التستر على الأوامر اللاّشعورية الصادرة عن الهو بتبريرات قبل شعورية وإلى التخفيف من حدة المجابهة بين الهو والواقع ، وإلى سلوك طريق الرّيــّاء
الدبلوماسي و التظاهر باعتبار الواقع ، حتى وإن أبدى الهو تعنتا وجموحا. ومن جهة أخرى، فان الأنا الأعلى القاسي ما يفتأ يراقبه ويرصد حركاته، ويفرض عليه قواعد معينة لسلوكه غير مكترث بالصعاب التي يقيمها في وجهه الهو والعالم الخارجي . وإن اتفق أن عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى عاقبه هذا الأخير بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب . على هذا النحو يكافح الأنا، الواقع تحت ضغط الهو و الرازح تحت نير اضطهاد الأنا الأعلى والمصدود من قبل الواقع ، يكافح الإنجاز مهمته الاقتصادية و لإعادة الانسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه والمؤثرات الواقعة عليه . ومن هنا نفهم لماذا يجد الواحد منا نفسه مكرها في كثير من الأحيان على أن يهتف بينه وبين نفسه:" آه، ليست الحياة بسهلة".

" محاضرات جديدة في التحليل النفسي "
منهج التحليل النفسي
بدل الإلحاح على المريض بأن يذكر شيئا عن موضوع بعينه ، أصبحت أحثه على الاستسلام ل" تداعياته الحرة "، أي ذكر كل ما يخطر بذهنه حين يمتنع عن متابعة أي تمثل واع وكان لا بد مع ذلك أن يلتزم المريض بذكر كل ما كان يمده به إدراكه الباطني ، وبعدم الانسياق وراء الاعتراضات النقدية التي تريده على استبعاد بعض الخواطر بحجة أنها ليست هامة بالقدر الكافي أو أنه لا حاجة إلى مثولها أو كذلك بحجة أنه لا معنى لها إطلاقا، ولا حاجة إلى الإلحاح في التذكير صراحة بمطلب الصدق ، إذ هو شرط العلاج التحليلي .

قد يبدو عجيبا أن تكون طريقة التداعي الحر هذه ، المقترنة بتطبيق القاعدة الأساسية في التحليل النفسي ، قادرة على أن تحقق ما ينّتظر منها، أي على أن ترجع إلى الوعي القوى المكبوتة والباقية في حالة الكبت بفعل المقاومات . ومع ذلك ، لا بد من اعتبار أن التداعي الحر ليس في حقيقة الأمر حرا، فالمريض يبقى تحت تأثير الوضع التحليلي ، حتى عندما لا يوجه نشاطه الذهني نحو موضوع معيّن . ويحق لنا أن نفترض أنه ما من شيء يعرض للمريض إلا وله صلة بهذا الوضع ، وتظهر مقاومته ضد عودة المكبوت على نحوين . تظهر أولا في تلك الاعتراضات النقدية التي تتصدى لها القاعدة الأساسية في التحليل النفسي ، ولا يتغلب على هذه العوائق بفضل مراعاة هذه القاعدة إلا وتجد المقاومة عندئذ تعبيرة أخرى، فتمنع المكبوت من أن يخطر أبدا ببال المحلل ، ولكن يحل مكانه ، على سبيل التلميح ، شيء له صلة بالمكبوت ، وكلما عظمت المقاومة، بعدت الشقة بين الفكرة البديلة القابلة للتبليغ و بين ما نبحث عنه بالذات.
فالمحلل النفسي الذي يصغي في هدوء و تأمل ، دون إجهاد، والذي له من الخبرة ما يعده للآتي ، يستطيع أن يستخدم المعطيات التي كشف عنها المريض، وذلك في إحدى وجهتين ممكنتين : فإما أن يستدل من التلميحات على المكبوت إن كانت المقاومة ضعيفة؛ أما إن كانت المقاومة اشد: فإنه يقدر على تبيّن نوعها عبر التداعيات التي تبدو متباعدة عن الموضوع ، وإذ ذاك يفسر تلك المقاومة للمريض. إلا أن الكشف عن المقاومة هو الخطوة الأولى في سبيل التغلب عليها، وهكذا، وفي إطار العمل التحليلي ، هنالك تقنية في التأويل لا بد للنجاح في استخدامها من فطنة ومران ، ومع ذلك ليس من العسير اكتساب هذه التقنية، إن طريقة التداعي الحر لها من المزايا الهامة ما تفضل به على الطريقة التي سبقتها، ولا تقتصر على مزية الاقتصاد في الجهد، فهي تتجنب كل ضغط على المريض ، بأكثر قدر ممكن ، ولا تفقد أبدا الصلة بالواقع الحاضر، وتوفر إذن أكبر الضمانات لكي لا يفلت أي عامل يدخل في بنية العصاب ولا يقحم فيها ( المحلل ) أي شيء من انتظاراته الخاصة.
وباستخدام هذه الطريقة، نرجع بالأساس إلى المريض لتحديد سير التحليل وتنظيم المعطيات ، الأمر الذي يجعل من المستحيل في التحليل الاهتمام بشكل منظم ومطرد بكل واحد من الأعراض والعقد المعزولة. وعلى العكس تماما مما يجري قي الطرق التنويمية و" التحضيضية "، فإننا نكتشف مختلف القطع المكوّنة للمجموعات في أوقات وأمكنة مختلفة أثناء العلاج .
فرويد
" حياتي و التحليل النفسي "
***

المحتوى الظّاهر للحلم ومحتواه الكامن
إن الأحلام كلها غير غريبة عن الحالم ، ولا هي مفهومة لديه ولا واضحة. فلو انكببتم على النظر في أحلام الأطفال الصغار - منذ أن يبلغوا من العمر عاما ونصف العام - لوجدتموها بسيطة جدا، سهلة التفسير، فالطفل الصغير يحلم دائما بتحقيق رغبات أنشأها في نفسه اليوم السابق دون إشباعها. ولا نحتاج إلى كبير تخمين لنتوصل إلى هذا الحلّ البسيط ، بل يكفي أن نعلم ما مر بالطفل في اليوم السابق .

[ وقد يعترض بعضهم فيقول :] إن أحلام الكهول لا تفهم في الغالب ولا تشبه إلا قليلا تحقيق الرغبة. فنجيب : ذلك أنها تغيرت ملامحها وتنكرت . والفرق في أن منشأها النفسي مختلف شديد الاختلاف عن الصورة التي تبدو عليها. ولهذا وجب أن نميز بين أمرين : الحلم كما يبدو لنا وكما نستحضره في الصباح غامضا إلى حد أننا نجد غالبا بعض العناء في روايته وترجمته إلى كلمات . وهذا ما سنسميه المحتوى الظاهر للحلم ، هذا من جهة، ثم إن لنا مجموعة التصورات الكامنة للحلم ، التي نفترض أنها تتحكم في الحلم في قرار اللاشعور نفسه ، من جهة أخرى. وعملية التشويه هذه هي نفسها التي تتحكم في نشأة الأعراض الهستيريّة. فتكون الأحلام ينتج إذن عن نفس التقابل الذي بقع بين القوى النفسية عند تكون الأعراض .

" المحتوى الظاهر " للحلم هو بديل محرّف من التصوّرات الكامنة للحلم ، وهذا التحريف هو من عمل " الأنا " المدافع عن نفسه . ويتولد التحريف عن عمليات مقاومة تحبر على الرغبات اللاّشعورية تحجيرا مطلقا الدخول إلى حيّز الشعور في حالة اليقظة. لكن هذه القوى - رغم أن النوم يضعفها - ما يزال لها من القدرة ما يجعلها تفرض ، على الأقل على الرغبات ، قناعا يخفيها. وليس الحالم أقدر على فك معنى أحلامه من الهستيري على التعمّق في دلالة أعراضه .
فرويد
"خمسة دروس في التحليل النفسي "
***
الرجة
إن اللقاء بالتحليل النفسي يرج رجة هائلة من تكون في الفينومينولوجيا والفلسفة الوجودية وفي سياق التجديد في الدراسات الهيغلية وفي البحوث ذات المنحى اللغوي . إذ لا يتعلق الأمر بالمساس بهذا الموضوع أو ذاك من مواضيع التفكير الفلسفي وإعادة النظر فيها، بل إن كل المشروع الفلسفي هو المستهدف في ذلك . فالفيلسوف المعاصر يلتقي بفرويد غير بعيد عن نيتشه ولا عن ماركس ، فيقف ثلاثتهم أمامه أقطاب الظنة وكاشفي الأقنعة. وينشأ مشكل جديد وهو مشكل زيف الوعي ومشكل الوعي باعتباره زيفا. ولا يمكن أن يظل هذا المشكل مشكلا مخصوصا من بين مشاكل أخرى إذ أن ما ينبغي إعادة النظر فيه بوجه عام وجذري إنما هو ما يبدو لنا، نحن معشر فلاسفة الفينومينولوجيا، مجال كل دلالة، وأساسها، بل أصلها، وأعني الوعي .
وينبغي أن يبدو لنا ما كان أساسا، في معنى ما، حكما مسبقا، في معنى آخر، هو الحكم المسبق للوعي . وهذا الوضع شبيه بوضع أفلاطون في كتابه : (السفسطائي )، فقد بدأ برمينيديا ، مدافعا عن ثبات الوجود، غير أنه اضطر، بعد ذلك ، بسبب لغز الخطأ والظن الخاطئ ، لا فقط إلى الإقرار باللاوجود باعتباره واحدا من " الأجناس الكبرى " فحسب بل وخاصة إلى التصريح بأن " مسألة الوجود غامضة غموض مسألة اللاّوجود " ؛ إن المرء ليضطر إلى الاكتفاء بمثل هذا الإقرار فيقول : " إن مسألة الوعي غامضة غموض مسألة اللاوعي ".

إنما هذا النفس المشوب بالظّنة إزاء ادعاء الوعي معرفة ذاته منذ البدء هو باب الفيلسوف ، يدخل منه ، لينضم إلى الأطباء النفسيين والمحللين النفسيين . فإذا كان لزاما علينا، آخر الأمر، أن نسلم بتلازم الوعي واللاوعي ، وجب قبل ذلك اجتياز صحراء الإقرار المزدوج : " لا أفهم اللاوعي انطلاقا مما أعرف عن الوعي ، و لآب حتى مما قبل الوعي " . ثم مباشرة : " ما عدت قادرا حتى على فهم الوعي " تلك هي المزية الكبرى لما هو الأبعد في مناهضة الفلسفة وما هو الأبعد في مناهضة الفينومينولوجيا لدى فرويد، وأعني وجهة النظر الموضعية و الاقتصادية مطبقة على مجموع نشاط الجهاز النفسي ، كما يبدو لنا في مقاله الشهير المتعلق بالميتابسيكولوجيا وقد خصصه للحديث عن اللاوعي . و لا يمكن أن نتبين مسائل تغدو فينومينولوجية من نوع : كيف علي أن أعيد التفكير في مفهوم الوعي وأعيد صياغته حتى يغدو اللاوعي الأخر بالنسبة إليه ، وحتى يكون الوعي متسعا للأخر الذي ندعوه هنا اللاوعي ، إلا انطلاقا من هذه الحيرة الفينومينولوجية المقضة.

أما السؤال الثاني فهو : كيف يمكن ، من جهة أخرى، أن ننقد - نقدا بالمعنى الكانطي -أي التفكير في شروط الصلاحية وفي حدود ها أيضا - ما يتعلق " بالنماذج " التي على المحلل النفسي أن بقيمها وجوبا إذا ما رام البرهنة على اللاوعي ؟ وهذا ما يجعل إنشاء إيبستمولوجيا التحليل النفسي مهمة متأكدة إذ ليس بوسعنا الاكتفاء بالتمييز بين المنهج والمذهب ، كما كان عليه الأمر منذ عشرين سنة، فنحن نعلم اليوم أن " النظرية " في العلوم الإنسانية، ليست إضافة عارضة لأنها " جزء من تركيب " الموضوع نفسه ، بل هي " مكونه الأساسي ". فلا ينفصل اللاوعي بما هو واقع عن النموذج الموضعي و النموذج الطاقي و النموذج الاقتصادي ، وهي النماذج التي تحكم النظرية. " فما وراء علم النفس "، إذا ما استعرنا عبارة فرويد نفسه ، هو المذهب ، إن شئنا، غير أنه المذهب بما هو قادر على أن يجعل إنشاء الموضوع ممكنا. فالمذهب هنا هو المنهج .

و السؤال الثالث ، بعد مراجعة مفهوم الوعي التي فرضها علم اللاوعي ، وبعد نقد "نماذج " اللاوعي ، يدور على النظر في إمكانية قيام أنثروبولوجيا فلسفية قادرة على الاضطلاع بجدلية الوعي و اللاوعي . وفي إطار أية رؤية للعالم و للإنسان يمكن تصور هذا الأمر ؟ وما عصى الإنسان حتى يكون مسؤولا عن التفكير تفكيرا سليما وقادرا على الجنون في آن واحد ؟ وحتى يكون مجبرا، بما فيه من إنسانية، على مزيد الوعي وقادرا على أن يندرج في سياق موضعي وفي سياق اقتصادي، من حيث أن " شيئا ما يحركه " فأية نظرة جديدة لهشاشة الإنسان - بل للمفارقة القائمة بين المسؤولية و الهشاشة - يقتضيها فكر ارتضى أن ينزاح عن مركزية الوعي بالتفكير في اللاوعي ؟
بول ريكور
" سجال التأويلات"
***
إن الأطروحة الفرويدية عن أسبقية الرغبة أساسية من أجل إعادة صياغة الكوجيتو: فقبل أن تتحدد الذات شعوريا وإراديا كانت أصلا محددة في الكائن على المستوى الغرائزي وتعني أسبقية الغريزة هذه بالنسبة للوعي والإرادة أولوية الـ ( أنا موجود) على الـ (الأنا أفكر) وينتج عن ذلك تفسيرا للكوجيتو أقل مثالية وأوثق صلة بالوجود: إن فعل الكوجيتو المحض بوصفه يطرح نفسه بصفة مطلقة هو حقيقة مجردة و خاوية بقدر ما هي دامغة.
وهكذا يجب الاضطلاع بيقينية الكوجيتو و بطابعه الارتيابي غير المحدود معا فالكوجيتو هو في آن واحد اليقين القاطع بأنني موجود و سؤال مفتوح بالنسبة لوجودي.

إن الوظيفة الفلسفية للفرويدية هي إقامة مسافة بين يقينية الكوجيتو المجردة وإعادة اكتشاف حقيقة الذات العينية وفي هذه المسافة ينزلق نقد الكوجيتو المزيف وتفكيك أوثان الأنا التي تقيم حاجزا بين الأنا وبين أنا ذاتي.
بول ريكور
***
الإنسان وعي بالذات.إنه وعي بذاته وعي بحقيقته وبكرامته الإنسانية.وبهذا فهو يختلف جوهريا عن الحيوان ،الذي لا يتجاوز مستوى "الإحساس" البسيط بذاته.ولكي يحصل الوعي بالذات فإن على الرغبة أن تتعلق بموضوع غير طبيعي، بشيء يتجاوز الواقع المعطى.

إن الرغبة الإنسانية المولدة للإنسان والمكونة لفرد حر وتاريخي وواع بفرديته وحريته وتاريخه تختلف إذن عن الرغبة الحيوانية[المكونة لكائن طبيعي يحيا فحسب ولا يملك سوى الإحساس بحياته] باعتبارها تتعلّق برغبة أخرى وليس بموضوع واقعي و"ايجابي" ومعطى..

وحتى يكون الإنسان حقيقة إنسانية،ولكي يتميز جوهريا وواقعيا عن الحيوان فإنه ينبغي أن تقضي رغبته الإنسانية فعليا على رغبته الحيوانية .بيد أن كل رغبة هي رغبة في قيمة ما.فالقيمة العليا للحيوان هي حياته الحيوانية.وكل رغباته في آخر التحليل هي حصيلة رغبته في البقاء.وبعبارة أخرى، الإنسان لا "يؤكد"إنسانيته إلا إذا خاطر بحياته [الحيوانية] في سبيل رغبته الإنسانية، من خلال هذه المخاطرة وبواسطتها تتأكد أي تنكشف وتتبين ويتم اختبارها وتثبت أدلتها بما هي مختلفة جوهريا عن الحقيقة الحيوانية الطبيعية...
ألكسندر كوجيف: مقدمة لقراءة هبغل.
***
الأنا
لا أعرف بعد ما أنا إياه ، أنا المتيقن من كوني أوجد... لذلك سأنظر في ما اعتقدت أني إياه فما الذي اعتقدت من قبل أني إياه, لقد اعتقدت دون صعوبة أني إنسان و لكن ما معني إنسان ؟ ... سأعتبر أولا أن لي وجها و يدين و ذراعين وكل هذه الآلة المركبة من العظام واللحم مثلما تظهر ضمن جثة وهي الآلة التي أطلق عليها اسم الجسم. و سأعتبر إضافة إلي ذلك أني أتغذى وأمشي وأحس وأفكر و سأرجع كل هذه الأفعال إلى النفس ولكني لا أتوقف مطلقا عن التفكير في ما يمكن أن تكونه النفس... أما بخصوص الجسم فإني ما كنت مطلقا أشك في طبيعته لأني كنت أعتقد في معرفة طبيعته بتمييز قوي إذا شئت أن أعبر عنها... أمكنني وصفها على النحو التالي: أعني بكلمة جسم كل ما يقبل أن يتحدد ضمن شكل ما وكل ما يقبل أن يتضمن في مقر ما وأن يملأ فضاء على نحو يقصي كل جسم آخر, وما يقبل أن يحس إما لمسا و إما إبصارا و إما سماعا و إما تذوقا و إما رائحة,
و ما يقبل أن يتحرك و في وجوه عديدة لا بذاته و إنما بواسطة شيء غريب عنه يلمسه أو ينطبع به... و لكن أي كائن أنا... ؟ هل أستطيع أن أكون متأكدا من أن لي هذه الصفات التي أسندتها منذ حين إلي الطبيعة الجسمانية ؟ لقد توقفت للتفكير في ذلك بانتباه و راجعت كل تلك الصفات في ذهني وأعدت مراجعتها ولكني لم أجد أية صفة أستطيع القول أنها أنا... فلنمر الآن إلي صفات النفس و لنر إن كانت بعض الصفات تقبل أن تكون من الصفات الأولى.
ذكرت أني أتغذي وأني أمشي ولكن إذا صح أن لا جسم لي فإنه يكون من الصحيح أيضا أنه لا يمكنني أن أمشي وأن أتغذى ثم ذكرت فعل الإحساس و لكننا لا نستطيع أيضا أن نحس من دون الجسم... و ذكرت كذلك صفة أخرى هي التفكير وأني لا أجد هاهنا أن التفكير صفة تنتمي إليه: فالتفكير وحده هو ما لا يمكن فصله عني... لست إذا على وجه الدقة غير شيء يفكر أي فكر أو ذهن أو عقل... لست إذا هذا التجمع من الأعضاء الذي نسميه الجسم الإنساني... و لكن ما هذا الكائن الذي أنا إياه ؟ إنني شيء يفــــــــكر.
رونى ديكارت: التأملات الميتافيزيقية
***
لقد عودنا التصور الديكارتي على أن ننفصل عن الموضوع. فالموقف التأملي يظهر في الآن نفسه, الفكرة السائدة عن كل من الجسد والنفس, و ذلك بتحديده الجسد على أنه مجموع أجزاء دون عالم داخلي, والنفس على أنها كائن ماثل لدى ذاته المثول كله, دونما بين. إن هذين التحديدين المتلازمين, إذ يرسيان الوضوح داخلنا و خارجنا, يضعاننا أمام شفافية موضوع دون ثنايا, أمام شفافية ذات ليست إلا ما تتصور نفسها عليه.
فالموضوع يكون موضوعا والوعي وعيا من جميع الجهات ذلك لأن لكلمة وجود معنيين ليس إلا وهو أن يوجد الشيء باعتباره شيئا أو باعتباره وعيا و على عكس ذلك فإن تجربة الجسد الخاص تكشف لنا نمطا من الوجود المفارق ذلك أني إن حاولت أن أفكر فيه باعتباره جملة من السيرورات منسوبة إلى ضمير الغائب "إبصارا" أو "حركية " أو" جنسانية" اتضح لي أن هذه "الوظائف " لا يمكن أن ترتبط ببعضها ارتباطا سببيا, و إنما هي تتردد على نحو مبهم في مأساة واحدة قد أقحمت فيها إقحاما.
فليس الجسد إذا موضوعا, و للسبب نفسه ليس الوعي الذي أحمله عنه فكرا أي أني لا أقدر على تفكيكه وإعادة تركيبه من أجل تكوين فكرة واضحة عنه، ذلك أن وحدته هي دوما وحدة ضمنية ومبهمة. فهو دائما شيئا آخر غير ما هو عليه أو هو دائما جنسانية و في آن حرية, و هو متجذر في الطبيعة في ذات الوقت الذي يتغير فيه بفعل الثقافة, وهو ليس منغلقا أبدا على ذاته ولا متجاوزا.
و سواء تعلق الأمر بجسد الغير أم بجسدي الخاص فما من وسيلة لمعرفة الجسد البشري سوي أن أعيشه, أي أن أضطلع بالمأساة التي تتخلله, و أن أمتزج به. فأنا إذا جسدي, على الأقل من حيث أنه لدي مكسب و بالمقابل فإن جسدي هو بمثابة الذات الطبيعية, أو الخطوط العريضة المؤقتة لكياني الشامل هكذا تتعارض تجربة الجسد الخاص مع الحركة التأملية التي تفصل الموضوع عن الذات و تفصل الذات عن الموضوع و التي لا تمنحنا سوي تفكير في الجسد, أو الجسد فكرة, لا تجربة الجسد, أو الجسد واقعا.
موريس ميرلوبنتي فينومينولوجيا الإدراك : قاليمار 1945 ص 230 / 231
***
ليس جسدي موضوعا بين الموضوعات وأشدها قربا. فكيف يقترن بتجربتي كذات ؟ في الواقع التجربتان ليستا منفصلتين : أوجد ذاتيا وأوجد جسديا يمثلان نفس التجربة فأنا لا أفكر من دون أن أوجد , و لا أوجد من دون جسدي , فأنا به أكون معروضا على نفسي والعالم والآخر , و به أنجو من عزلة فكر لا يكون سوى تفكير في الفكر فهو برفضه أن يتركني شفافا بصورة تامة مع نفسي , يرمي بي بلا انقطاع في إشكالية العالم و صراعات الإنسان , و يقذف بي إلى المكان بواسطة إلحاح الحواس و يعلمني الديمومة بواسطة شيخوخته , و يواجهني بالخلود بواسطة موته , فهو يثقل بعبوديته و لكنه في نفس الآن جذر كل وعي و كل حياة روحية , فهو الوسيط الدائم لحياة الفكر .
إمانويل مونييه: الشخصانية ص 19 /20
***
لا أعرف بعد ما أنا إياه ، أنا المتيقن من كوني أوجد... لذلك سأنظر في ما اعتقدت أني إياه فما الذي اعتقدت من قبل أني إياه, لقد اعتقدت دون صعوبة أني إنسان و لكن ما معني إنسان ؟ ... سأعتبر أولا أن لي وجها و يدين و ذراعين وكل هذه الآلة المركبة من العظام واللحم مثلما تظهر ضمن جثة وهي الآلة التي أطلق عليها اسم الجسم. و سأعتبر إضافة إلي ذلك أني أتغذى وأمشي وأحس وأفكر و سأرجع كل هذه الأفعال إلى النفس ولكني لا أتوقف مطلقا عن التفكير في ما يمكن أن تكونه النفس... أما بخصوص الجسم فإني ما كنت مطلقا أشك في طبيعته لأني كنت أعتقد في معرفة طبيعته بتمييز قوي إذا شئت أن أعبر عنها...
أمكنني وصفها على النحو التالي: أعني بكلمة جسم كل ما يقبل أن يتحدد ضمن شكل ما وكل ما يقبل أن يتضمن في مقر ما وأن يملأ فضاء على نحو يقصي كل جسم آخر, وما يقبل أن يحس إما لمسا و إما إبصارا و إما سماعا و إما تذوقا و إما رائحة, و ما يقبل أن يتحرك و في وجوه عديدة لا بذاته و إنما بواسطة شيء غريب عنه يلمسه أو ينطبع به... و لكن أي كائن أنا... ؟ هل أستطيع أن أكون متأكدا من أن لي هذه الصفات التي أسندتها منذ حين إلي الطبيعة الجسمانية ؟ لقد توقفت للتفكير في ذلك بانتباه و راجعت كل تلك الصفات في ذهني وأعدت مراجعتها ولكني لم أجد أية صفة أستطيع القول أنها أنا... فلنمر الآن إلي صفات النفس و لنر إن كانت بعض الصفات تقبل أن تكون من الصفات الأولى.
ذكرت أني أتغذي وأني أمشي ولكن إذا صح أن لا جسم لي فإنه يكون من الصحيح أيضا أنه لا يمكنني أن أمشي وأن أتغذى ثم ذكرت فعل الإحساس و لكننا لا نستطيع أيضا أن نحس من دون الجسم... و ذكرت كذلك صفة أخرى هي التفكير وأني لا أجد هاهنا أن التفكير صفة تنتمي إليه: فالتفكير وحده هو ما لا يمكن فصله عني... لست إذا على وجه الدقة غير شيء يفكر أي فكر أو ذهن أو عقل... لست إذا هذا التجمع من الأعضاء الذي نسميه الجسم الإنساني... و لكن ما هذا الكائن الذي أنا إياه ؟ إنني شيء يفــــــــكر.
رونى ديكارت: التأملات الميتافيزيقية
***
ليس الفكر الذي يصبح واعيا إلا جزءا طفيفا : لنقل إنه الجزء الأكثر سطحية و رداءة ذلك أن هذا الفكر الواعي فقط ينشأ في شكل كلام أي في شكل علامات تواصل... إن نمو الوعي واللغة متوازيان. و لنضف إلى هذا أن ليست اللغة فقط هي التي تمد جسرا من إنسان إلى آخر ولكن كذلك النظرة و الإيماءة و الحركة.

إن الإنسان الذي اخترع العلامات هو ذاته الذي يحصل له شيئا فشيئا وعي حاد بذاته و إنه لم يتعلم فعل ذلك إلا من جهة ما هو كائن اجتماعي...يبدو لي في ما أرى أن الوعي لا ينتسب في الواقع إلى الوجود الفردي في الإنسان ولكنه ينتسب بالأحرى إلي ما يصنع منه طبيعة اجتماعية و قطيعية: وتبعا لذلك إن الوعي لم ينم بدقة إلا بالنظر إلى النفع الذي يقدمه للمجتمع وإن كلامنا بالضرورة وبصرف النظر عن صدق إرادته في أن يفهم نفسه على نحو فردي قدر الإمكان وأن يعرف ذاته رغم ذلك لم يفعل شيئا آخر عدا حمل ما ليس فرديا إلى وعيه...
و في الواقع إن أفعالنا بأسرها شخصية و فريدة في معني ضيق فهذا أمر لا مجال للشك فيه ولكن يكفي أن نعيد ترجمتها إلى الوعي حتى تكف عن أن تكون كذلك...إن طبيعة الوعي... تفيد بأن العالم الذي يمكن أن نكون واعين به ليس إلا عالما سطحيا ومصغرا عالم علامات معمما و مبتذلا وأن كل وعي في الوقت ذاته يكون مسطحا ومصغرا ومختزلا إلى بلاهة السلوك المكرور للقطيع.
تبعا لذلك فإن كل وعي يرتد إلي عملية تعميم و تسطيح و مغالطة أي عملية هدامة بالأساس.
نيـــــــــتشه: العلم المرح
***
إن هذه الآراء ( الفلسفية المتنازعة ) جميعها تشترك في شيء واحد: إنها تفهم الوجود على أنه شيء ما يواجهني بوصفه موضوعا يقف بمعزل عني أثناء تفكيري فيه هذه الظاهرة الأساسية في وعينا هي بالنسبة إلينا واضحة بذاتها لدرجة أننا لا نكاد نرتاب في اللغز الذي تمثله لأننا لا نحاول أن نتفحصه. إن الشيء الذي نفكر فيه و نتحدث عنه دائما شيء مختلف عنا إنه الموضوع الذي نتجه إليه باعتبارنا ذاتا.

فإذا جعلنا أنفسنا داخل موضوع تفكيرنا فإننا نصبح نحن أنفسنا "الآخر", و مع ذلك نظل في الوقت نفسه "أنا " مفكرة تفكر في نفسها, و لكنها لا تستطيع أن تفكر كما ينبغي باعتبارها موضوعا لأنها هي التي تحدد موضوعية الموضوعات جميعا, و نحن نطلق على هذا الشرط الأساسي بالقسمة الثنائية إلي ذات وموضوع, وما دمنا متيقظين واعين فإننا نواجهها دائما.
و سواء التوينا أو احتلنا ما شاء لنا الالتواء والاحتيال فإننا واقعون دائما في هذه الثنائية, متجهون دائما نحو موضوع سواء أكان هذا الموضوع هو واقع إدراكنا الحسي أو تصور للموضوعات المثالية, مثل الأعداد والأشكال الهندسية, أو كان توهما, أو حتى تخيلا محالا, إذ تواجهنا الأشياء دائما من الداخل والخارج على السواء تلك الأشياء التي هي مضمون وعينا. فليس ثمة موضوعا بلا ذات أو ذات بلا موضوع كما قال شوبنهاور.
كارل يسبرس: سبيل إلي الحكمة
***
البحث عن المصدر لا يؤسس: إنه يربك ما ندركه ثابتا و يجزئ ما نراه حدا أية قناعة قد تصمد بعد هذا... ؟ نستطيع أن نقول أن المصدر مشدود إلي الجسد و مندرج في منظومته العصبية و في مزاجه و جهازه الهضمي... و ضمن الجسم و خوره أمور موروثة عن أسلاف اقترفوا أخطاء فعندما يحملون النتائج محمل الأسباب و يعتقدون بعالم آخر غير هذا العالم أو يصطنعون قيمة الخلود, أجساد أبنائهم هي التي تدفع الثمن.
إن الجبن والنفاق كلاهما نتيجة من نتائج الخطأ لا بالمعنى السقراطي القائل بأن الشر ثمرة الجهل و لا بمعنى ما يقال من انحراف عن الحقيقة الأصلية, بل إن الجسم يحمل في حياته و مماته, في لحظات قوته وضعفه الجزاء الذي يترتب عن كل حقيقة أو خطأ مثلما يحمل بالمقابل مصدره. لماذا أبدع الناس الحياة التأملية؟ و لماذا أولوا هذا النوع من الوجود قيمة علياء ؟ و لماذا عزوا إلي التخيلات المستقاة منه حقيقة مطلقة ؟ يمكن أن نقول عندما تخور قوى الفرد و يحس أنه مريض أو متعب أو محزون أو مظلوم وعاطل بصورة مؤقتة عن كل رغبة سرعان ما يتحول إلى رجل أفضل يصبح أقل خطرا و يمكن لأفكاره المتشائمة ألا تصاغ في قوالب من التأملات يتحول بعدها إلي مفكر و سيعمل خياله في تطوير معتقده الخرافي.
قد نعثر فوق الجسد على آثار الحوادث الماضية, لأن الرغبات والإخفاقات منه تتولد و فيه تتعقد عراها ثم تختفي بغتة, بل فيه أيضا تنحل لتدخل في صراع تتلاشى بعده في أثر بعضها, الجسد ساحة لتسجيل الحوادث وتبديدها: إنه المكان الذي تفكك فيه الأنا التي تحاول أن تمنحه شعورا زائفا بوحدة جوهرية إنه حجم يخضع دائما لتفتت مستديم و الجينيالوجيا باعتبارها تحليلا للمصدر تجد نفسها في حال تلاحم مع الجسد و التاريخ. عليها أن تبين أن الجسد ينقشه التاريخ و يخربه التاريــــــــخ.
مـيشال فــوكــو: جينيالوجيا المعرفة
***

مهما يكن فبصفتنا باحثين عن المعرفة, يحسن بنا أن لا نكون جاحدين تجاه مثل هذه المحاولات التي تقلب آفاق النظر عاليها سافلها, فضلا عن قلبها للتقديرات الشائعة التي طالما جعلت الفكر يغتاظ من نفسه, دون فائدة تذكر و بصورة مستنكرة: لكن رؤية الأمور بصورة مغايرة إرادة المرء في أن يرى الأمور على نحو آخر ليست علما بسيطا ساذجا, أو إعدادا ناقصا يهيأ الذهن لـ" موضوعيته " العتيدة ـ على أن تفهم هذه الموضوعية لا بمعنى " التأمل المجرد " ( فهذا لا معنى له إنه سخافة) بل بما هي ملكة تمكن الذهن من إبقاء ما له و ما عليه ضمن نطاق صلاحياته وتجعله يتصرف عند الحاجة على نحو يمكنه من استخدام هذا التنوع خدمة للمعرفة بما في ذلك آفاق النظر والتأويلات التي تشوبها الميول والأهواء.

فلنلتزم من الآن فصاعدا جانب اليقظة والحذر, حضرات الفلاسفة, حيال تخريف بعض المفاهيم القديمة الخطيرة, هذا التخريف الذي ابتدع " ذاتا عارفة، ذاتا محضا، لا إرادة لها، ولا ألم، ولا تخضع لزمان " ولنحترس من أن تمسنا مجسات بعض المقولات المتناقضة, من نوع " العقل المحض " و " الروحانية المطلقة " و " المعرفة بذاتها ": فهنا يطالب البعض منا دائما أن نفكر بعين لا يمكن تخيلها على الإطلاق بعين ينبغي بأي ثمن أن لا يكون لنظرتها أي اتجاه بعين تكون وظائفها العملية والتفسيرية مقيدة أو غائبة والحال أنه ليس ثمة ما يوفر لفعل النظر موضوعه إلا هي. يطلب منا البعض أن تكون العين شيئا أخرق سخيفا بيد أنه ليس ثمة وجود إلا لرؤية من زاوية معينة لمعرفة من منظور معين و ذلك هو كمال الموضوعية.
نيتشه : جينيالوجيا الأخلاق
المقالة الثالثة الفقرة 12
***
هناك انطباع سائد أنه بمجرد أن قام الإنسان كتشكيل وضعي في حيز المعرفة, كان لابد وأن يزول امتياز الفكر الذي يفكر في ذاته, و كان أن تمكن, ثمة, فكر موضوعي من أن يغطي الإنسان بأكمله وأن يكشف فيه ما لم يكن ليصل إليه فكره أو حتى وعيه, أوليات غامضة, مساحات مظلمة... أطلق عليها مباشرة أو مواربة اسم اللاوعي. أو ليس اللاوعي ما يقع حتما تحت الفكر العلمي الذي يحمله الإنسان في ذاته عندما يكف عن تذكر ذاته ؟
في الواقع لم يكن الوعي, وبنوع عام كل أشكال اللامفكر المكافأة المعطاة لمعرفة وضعية للإنسان.
فالإنسان واللامفكر هما على المستوى الأركيلوجي متعامدان. لم يستطع الإنسان أن يكون موضوعا في الإبستمية دون أن يكشف الفكر في الوقت نفسه في داخله و خارجه معا. في هوامشه و صميم نسيجه بالذات جانب مظلم وعمقا يبدو جامدا يغرق فيه, ولا مفكرا يحتويه الفكر بكامله, و لكنه مع ذلك يقع في الوقت نفسه في شراكه. لا يسكن اللامفكر تحت أي اسم كان بل هو بالنسبة للإنسان هو الآخر: الآخر الأخوي أو التوأم, المولود لا منه و لا فيه بل هو إلى جانبه في الوقت ذاته هو في تجدد ممثل لذاته في ازدواجية لا تنقض إن تلك النسخة المظلمة التي يحلو اعتبارها منطقة لجية من طبيعة الإنسان أو قلعة محصنة من تاريخه ترتبط بطريقة مختلفة تماما فهي خارجية و ضرورية في آن بالنسبة إليه. و على أية حال قام اللامفكر بالنسبة للإنسان مقام اللحن المصاحب له الصامت و غير المنقطع, وبما أنه ليس سوى نظير ملحاح, لم يفكر به يوما بشكل مستقل.
ميشال فوكو: الكلمات و الأشياء
***

إن اللوغوس الوحيد الذي يسبق وجوده أي شيء آخر هو العالم نفسه و الفلسفة التي تخرجه إلى الوجود الظاهر لا بدأ بأن تكون ممكنة فهي فعلية أو واقعية كالعالم الذي هي جزء منه و ما من افتراض تفسيري يمكن أن يكون أوضح من ذات العقل الذي به تأخذ من جديد هذا العالم غير المكتمل لكي تحاول إضفاء الطابع الكلي عليه والتفكير فيه... و ليس العالم العقلي مشكلة فلنقل إذا شئنا أنهما يتسمان بالسر بيد أن هذا السر يعرفهما و لا سبيل إلى تشتيتهما بواسطة حل ما لأنهما خارج الحلول جميعا و بهذا المعنى يمكن أن تكون قصة مروية دالة على العالم بعمق لا يقل عن العمق الذي يتصف به بحث في الفلسفة حينئذ نمسك مصيرنا بأيدينا و نصبح مسؤولين عن تاريخنا بتأملنا و كذلك بالقرار الذي نلزم به حياتنا و في الحالتين يتعلق الأمر بفعل عنيف يختبر صدقه بالممارسة.
موريس ميرلوبنتي: تقريض الفلسفة
***

أجمل أو أثمن موضوع في المنظور الشامل للاستهلاك، الموضوع المفجر والأكثر امتلاء بالدلالة هو الجسم... هناك دعاية مستمرة تذكرنا بأنه ليس لنا إلا جسم واحد وأنه يتعين المحافظة عليه و إنقاذه, خلال عهود بذل جهد كبير في إقناع الناس بأنه ليس لديهم جسم أما اليوم فتبذل جهود أخرى لإقناعهم بأهمية جسمهم. هناك شيء غريب في ذلك أليس الجسم هو نفسه ؟ يبدو الأمر ليس كذلك: فمكانة الجسم واقعة تنتمي إلى الثقافة و الحال أنه في أية ثقافة من الثقافات نرى أن نمط العلاقة مع الجسم يعكس نمط تنظيم العلاقة مع الأشياء و مع العلاقات الاجتماعية ذاتها ففي المجتمع الرأسمالي تسري المكانة العامة للملكية الخاصة على الجسم كذلك.
وعلى الممارسات الاجتماعية المتعلقة به وعلى التصورات الذهنية التي نكونها عنه. أما في المجتمع التقليدي لدى الفلاح مثلا فلا وجود لاستثمار نرجسي ولا وجود لإدراك حسي تضخيمي للجسم بل هناك فقط رؤية أداتية سحرية للجسم مستخلفة من العمل اليدوي والعلاقة المباشرة مع الطبيعة.
جان بودريار: مجتمع الاستهلاك
***

إن الرائي إذ يغوص في المرئي بواسطة جسده الذي هو نفسه مرئي, لا يستولي على ما يرى: إنه يقربه فقط بواسطة النظرة و يطل على العالم, الذي يكون الرائي جزءا منه و من ناحيته ليس عالما في ذاته أو مادة. و حركتي ليست قرارا من الروح أو فعلا مطلقا يصدر أمره من أعماق العزلة الذاتية, بتغيير ما للموضع يتم بأعجوبة في الامتداد. إنها النتيجة الطبيعية للرؤية و لنضجها الخاص. فأنا أقول عن شيء إنه متحرك.
أما جسدي نفسه فيتحرك و حركتي تنتشر, فهي ليست مجهولة لذاتها, و ليست عبئا عن ذاتها, إنها تشع من ذات... واللغز ينحصر في أن جسدي هو في الوقت ذاته رائي و مرئي. إن هذا الجسد الذي ينظر إلى الأشياء كلها, يمكنه أيضا أن ينظر إلى نفسه و أن يتعرف في ما يرى على الجانب الآخر من قدراته الرائية. إنه يرى نفسه رائيا و يلمس نفسه لامسا, فهو مرئي و محسوس بالنسبة إلى نفسه. إنه ذات لا عن طريق الشفافية مثل الفكر الذي لا يفكر في شيء أيا كان دون أن يتمثله وأن يشيده و أن يحوله إلى فكرة. و إنما ذات بواسطة الاختلاط و النرجسية و ملازمة من يرى لما يراه, و من يلمس لما يلمسه, ومن يحس للمحسوس ذات واقعة إذا بين الأشياء, لها وجه وظهر, لها ماض و مستقبل.
ميرلوبنتي: العين و العقل
***
تعترض مفهوم اللاوعي جملة من الصعوبات. تتمثل الأولى في أن نفهم كيف يتمثله علم النفس. واضح أن نسق الغرائز يفلت عن الوعي و يوفر له نتائج دون أسباب, مثلا " أنني خائف " بهذا المعنى الطبيعة الإنسانية لا واعية تماما مثل الغرائز الحيوانية و لنفس الأسباب.
نحن لا نقول أن الغرائز هي اللاوعي, لماذا ؟ لأنه النتائج.عي حيواني توفر له الغالنتائج. من النتائج . اللاوعي هو نتاج مفارقة في الوعي... ينظر الرجل إن كان يرتعش ليعرف إن كان خائفا... يقول أجاكس AJAX)( لنفسه في الإلياذة " هي ذي قدمي تدفعني, هناك دون شك إله يقودني إذ لم أعد أعتقد في مثل هذا الإله فلا بد وأن أعتقد في وجود وحش مختلف بداخلي ".
الواقع أن الإنسان يتعود على أن يكون له جسد و غرائز, و يعارض علم النفس التحليلي ذلك, إنه يبدع الوحش ويكشفه لمن يسكنه... الفرويدية الذائعة الصيت هي بالضبط فن إبداع الحيوان المخيف في كل إنسان عبر علامات عادية كالأحلام التي يحلو لفرويد أن يرى فيها مجرد تعبير غير مباشر. حياتنا الجنسية لا تخضع بالطبع للإرادة و تمتنع عن التوقع, إننا أمام جرائم ذاتية, و نستنتج من ذلك أن مثل هذه الغرائز توفر مجالا خصبا للتأويل.
آلان: عناصر فلسفية

المعتزلة * الهندوسية * الوجودية * الوضعية المنطقية * البنيوية * التفكيكية

المعتزلة * الهندوسية * الوجودية * الوضعية المنطقية * البنيوية * التفكيكية

المعتزلة
فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي ، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة . وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها : المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقصد والوعيدية .

التأسيس وأبرز الشخصيات :
اختلفت رؤية العلماء في ظهور الاعتزال ، واتجهت هذه الرؤية وجهين :
- الوجهة الأولى : أن الاعتزال حصل نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة ، والحديث في القدر ، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر ، ومن رأي أصحاب هذا الاتجاه أن اسم المعتزلة أطلق عليهم لعدة أسباب :
1- أنهم اعتزلوا المسلمين بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين .
2- أنهم عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حقله خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن : "اعتزلنا واصل " .
3- أو أنهم قالوا بوجوب اعتزال مرتكب الكبيرة ومقاطعته .
- والوجهة الثانية : أن الاعتزال نشأ بسبب سياسي حيث أن المعتزلة من شيعة علي رضي الله عنه اعتزلوا الحسن عندما تنازل لمعاوية ، أو أنهم وقفوا موقف الحياد بين شيعة علي ومعاوية فاعتزلوا الفريقين .
أما القاضي عبد الجبار الهمذاني - مؤرخ المعتزلة - فيزعم أن الاعتزال ليس مذهباً جديداً أو فرقة طارئة أو طائفة أو أمراً مستحدثاً ، وإنما هو استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وقد لحقهم هذا الاسم بسبب اعتزالهم الشر لقوله تعالى : (( وأعتزلكم وما تدعون )) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من أعتزل الشر سقط في الخير ) .

والواقع أن نشأة الاعتزال كان ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية لما سنرى في فقرة ( الجذور الفكرية والعقائدية ) .

قبل بروز المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء ، كان هناك جدل فكري بدأ بمقولات جدلية كانت هي الأسس الأولى للفكر المعتزلي وهذه المقولات نوجزها مع أصحابها بما يلي :
- مقولة أن الإنسان حر مختار بشكل مطلق ، وهو الذي يخلق أفعاله بنفسه قالها : معبد الجهني ، الذي خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث .. وقد قتله الحجاج عام 80م بعد فشل الحركة .
-وكذلك قالها غيلان الدمشقي في عهد عمر بن عبد العزيز وقتله هشام بن عبد الملك .
-ومقولة خلق القرآن ونفي الصفات ، قالها الجهم بن صفوان ، وقد قتله سالم بن أحوز في مرو عام 128م .

-وممن قال بنفي الصفات أيضاً : الجعد بن درهم الذي قتله خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة .
ثم برزت المعتزلة كفرقة فكرية على يد واصل بن عطاء الغزال ( 80هـ - 131هـ ) الذي كان تلميذاً للحسن البصري ، ثم اعتزل حلقة الحسن بعد قوله بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين ( أي ليس مؤمنا ولا كافراً ) وأنه مخلد في النار إذا لم يتب قبل الموت ، وقد عاش في أيام عبد الملك بن مروان وهشام بن عبد الملك ،
والفرقة المعتزلية التي تنسب إليه تسمى : الواصيلة .
ولاعتماد المعتزلة على العقل في فهم العقائد وتقصيهم لمسائل جزئية فقد انقسموا إلى طوائف مع اتفاقهم على المبادئ الرئيسية الخمسة - التي سنذكرها لاحقاً - وكل طائفة من هذه الطوائف جاءت ببدع جديدة تميزها عن الطائفة الأخرى .. وسمت نفسها باسم صاحبها الذي أخذت عنه .
وفي العهد العباسي برز المعتزلة في عهد المأمون حيث اعتنق الاعتزال عن طريق بشر المريسي وثمامة بن أشرس وأحمد بن أبي دؤاد وهو أحد رؤوس بدعة الاعتزال في عصره ورأس فتنة خلق القرآن ، وكان قاضياً للقضاة في عهد المعتصم .

- في فتنة خلق القرآن امتحن الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بهذه البدعة ، فسجن وعذب وضرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون وبقي في السجن لمدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله وبقي فيه طيلة خلافة المعتصم ثم ابنه الواثق .
- لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ انتصر لأهل السنة وأكرم الإمام أحمد وأنهى عهد سيطرة المعتزلة على الحكم ومحاولة فرض عقائدهم بالقوة خلال أربعة عشر عاماً .

في عهد دولة بني بويه عام 334 هـ في بلاد فارس - وكانت دولة شيعية - توطدت العلاقة بين الشيعة والمعتزلة وارتفع شأن الاعتزال أكثر في ظل هذه الدولة فعين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضياً لقضاء الري عام 360هـ بأمر من الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي ، وهو من الروافض المعتزلة ، يقول فيه الذهبي : " وكان شيعياً معتزلياً مبتدعاً " ويقول المقريزي : " إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر " . وممن برز في هذا العهد : الشريف المرتضى الذي قال عنه الذهبي : " وكان من الأذكياء والأولياء المتبحرين في الكلام ولاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد ".
بعد ذلك كاد أن ينتهي الاعتزال كفكر مستقل إلا ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم .
عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر ، على يد بعض الكتاب والمفكرين ، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة وهذا ما سنبسطه عند الحديث عن فكر الاعتزال الحديث .

ومن أبرز مفكري المعتزلة منذ تأسيسها على يد واصل بن عطاء وحتى اندثارها وتحللها في المذاهب الأخرى كالشيعة والأشعرية والماتريدية ما يلي :
- أبو الهذيل حمدان بن الهذيل العلاف ( 135 -226 هـ ) مولى عبد القيس وشيخ المعتزلة والمناظر عنها. أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل بن عطاء ، طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وخلطه بكلام المعتزلة ، فقد تأثر بأرسطو وأنبادقليس من فلاسفة اليونان ، وقال بأن " الله عالم بعلم وعلمه ذاته ، وقادر بقدرة وقدرته ذاته … " انظر الفرق بين الفرق للبغدادي ص 76 . وتسمى طائفة الهذيلية .

- إبراهيم بن يسار بن هانئ النظام ( توفي سنة 231هـ ) وكان في الأصل على دين البراهمة وقد تأثر أيضاً بالفلسفة اليونانية مثل بقية المعتزلة .. وقال : بأن المتولدات من أفعال الله تعالى ، وتسمى طائفة النظامية .
- بشر بن المعتمر ( توفي سنة 226 هـ ) وهو من علماء المعتزلة ، وهو الذي أحدث القول بالتولد وأفرط فيه فقال : إن كل المتولدات من فعل الإنسان فهو يصح أن يفعل الألوان والطعوم والرؤية والروائح وتسمى طائفة البشرية .
- معمر بن عباد السلمي ( توفي سنة 220 هـ ) وهو من أعظم القدرية فرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله وتسمى طائفته : المعمرية .

- عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى الملقب بالمردار ( توفي سنة 226هـ ) وكان يقال له : راهب المعتزلة ، وقد عرف عنه التوسع في التكفير حتى كفر الأمة بأسرها بما فيها المعتزلة ، وتسمى طائفته المردارية .
- ثمامة بن أشرس النميري ( توفي سنة 213هـ ) ، كان جامعاً بين قلة الدين وخلاعة النفس ، مع اعتقاده بأن الفاسق يخلد في النار إذا مات على فسقه من غير توبة . وهو في حال حياته في منزلة بين المنزلتين . وكان زعيم القدرية في زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل إنه الذي أغرى المأمون ودعاه إلى الاعتزال ، وتسمى طائفته الثمامية .

- عمرو بن بحر : أبو عثمان الجاحظ ( توفي سنة 256هـ ) وهو من كبار كتاب المعتزلة ، ومن المطلعين على كتب الفلاسفة ، ونظراً لبلاغته في الكتابة الأدبية استطاع أن يدس أفكاره المعتزلية في كتاباته كما يدس السم في الدسم مثل ، البيان والتبيين ، وتسمى فرقته الجاحظية .
- أبو الحسين بن أبي عمر الخياط ( توفي سنة 300هـ ) من معتزلة بغداد و بدعته التي تفرد بها قوله بأن المعدوم جسم ، والشيء المعدوم قبل وجوده جسم ، وهو تصريح بقدم العالم ، وهو بهذا يخالف جميع المعتزلة وتسمى فرقته الخياطية .
- القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني ( توفي سنة 414هـ ) فهو من متأخري المعتزلة ، قاضي قضاة الري وأعمالها ، وأعظم شيوخ المعتزلة في عصره ، وقد أرخ للمعتزلة وقنن مبادئهم وأصولهم الفكرية والعقدية .

المبادئ ولأفكار :
جاءت المعتزلة في بدايتها بفكرتين مبتدعين :

- الأولى : القول بأن الإنسان مختار بشكل مطلق في كل ما يفعل ، فهو يخلق أفعاله بنفسه ، ولذلك كان التكليف ، ومن أبرز من قال ذلك غيلان الدمشقي ، الذي أخذ يدعو إلى مقولته هذه في عهد عمر بن عبد العزيز . حتى عهد هشام بن عبد الملك ، فكانت نهايته أن قتله هشام بسبب ذلك .
- الثانية : القول بأن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه فاسق فهو بمنزلة بين المنزلتين ، هذه حاله في الدنيا أما في الآخرة فهو لا يدخل الجنة لأنه لم يعمل بعمل أهل الجنة بل هو خالد في النار ، ولا مانع عندهم من تسميته مسلماً باعتباره يظهر الإسلام وينطق بالشهادتين ولكنه لا يسمى مؤمناً .

ثم حرر المعتزلة مذهبهم في خمسة أصول :
1- التوحيد .
2- العدل .
3- الوعد والوعيد .
4- المنزلة بين المنزلتين .
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

1- التوحيد : وخلاصته برأيهم ، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمماثل ( ليس كمثله شيء ) ولا ينازعه أحد في سلطانه ولا يجري عليه شيء مما يجري على الناس . وهذا حق ولكنهم بنوا عليه أحد نتائج باطلة منها : استحالة رؤية الله تعالى لاقتضاء ذلك نفي الصفات ، وأن الصفات ليست شيئاً غير الذات ، وإلا تعدد القدماء في نظرهم ، لذلك يعدون من نفاة الصفات وبنوا على ذلك أيضاَ أن القرآن مخلوق لله سبحانه وتعالى لنفيهم عنه سبحانه صفة الكلام .

2- العدل : ومعناه برأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد ، ولا يحب الفساد ، بل إن العباد يفعلون ما أمروا به وينهون عما نهوا عنه بالقدرة التي جعلها الله لهم وركبها فيهم وأنه لم يأمر إلا بما أراد ولم ينه إلا عما كره ، وأنه ولي كل حسنة أمر بها ، بريء من كل سيئة نهى عنها ، لم يكلفهم ما لا يطيقون ولا أراد منهم ما لا يقدرون عليه . وذلك لخلطهم بين إرادة الله تعالى الكونية وإرادته الشرعية .

3- الوعد والوعيد : ويعني أن يجازي الله المحسن إحساناً ويجازي المسيء سوءاً ، ولا يغفر لمرتكب الكبيرة إلا أن يتوب .

4- المنزلة بين المنزلتين : وتعني أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر فليس بمؤمن ولا كافر . وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة .

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : فقد قرروا وجوب ذلك على المؤمنين نشراً لدعوة الإسلام وهداية للضالين وإرشاد للغاوين كل بما يستطيع : فذو البيان ببيانه ، والعالم بعلمه ، وذو السيف بسيفه وهكذا . ومن حقيقة هذا الأصل أنهم يقولون بوجوب الخروج على الحاكم إذا خالف وانحرف عن الحق .

ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كلياً في الاستدلال لعقائدهم وكان من آثار اعتمادهم على العقل في معرفة حقائق الأشياء وإدراك العقائد ، أنهم كانوا يحكمون بحسن الأشياء وقبحها عقلاً فقالوا كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني : " المعارف كلها معقولة بالفعل ، واجبة بنظر العقل ، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع أي قبل إرسال الرسل ، والحسن والقبيح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح " .
- ولاعتمادهم على العقل أيضاً أولوا الصفات بما يلائم عقولهم الكلية ، كصفات الاستواء واليد والعين وكذلك صفات المحبة والرضا والغضب والسخط ومن المعلوم أن المعتزلة تنفي كل الصفات لا أكثرها .

- ولاعتمادهم على العقل أيضاً ، طعن كبراؤهم في أكابر الصحابة وشنعوا عليهم ورموهم بالكذب ، فقد زعم واصل بن عطاء : أن إحدى الطائفتين يوم الجمل فاسقة ، إما طائفة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والحسن والحسين وأبي أيوب الأنصاري أو طائفة عائشة والزبير ، وردوا شهادة هؤلاء الصحابة فقالوا : لا تقبل شهادتهم .
- وسبب اختلاف المعتزلة فيما بينهم وتعدد طوائفهم هو اعتمادهم على العقل فقط كما نوهنا -
- وإعراضهم عن النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة ، ورفضهم الأتباع بدون بحث واستقصاء وقاعدتهم التي يستندون إليها في ذلك :
" كل مكلف مطالب بما يؤديه إليه اجتهاده في أصول الدين " ، فيكفي وفق مذهبهم أن يختلف التلميذ مع شيخه في مسألة ليكون هذا التلميذ صاحب فرقة قائمة ، وما هذه الفرق التي عددناها آنفاً إلا نتيجة اختلاف تلاميذ مع شيوخهم ، فأبو الهذيل العلاف له فرقة ، خالفه تلميذه النظام فكانت له فرقة ، فخالفه تلميذه الجاحظ فكانت له فرقة ، والجبائي له فرقة ، فخالفه ابنه أبو هشام عبد السلام فكانت له فرقة أيضاَ وهكذا .

- وهكذا نجد أن المعتزلة قد حولوا الدين إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية ، وذلك لتأثرهم بالفلسفة اليونانية عامة وبالمنطق الصوري الأوسطي خاصة .
وقد فند علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم ، فمنهم أبو الحسن الأشعري الذي كان منهم أحمد بن حنبل الذي اكتوى بنار فتنتهم المتعلقة بخلق القرآن ووقف في وجه هذه الفتنة بحزم وشجاعة نادرتين .
- ومن الردود قوية الحجة ، بارعة الأسلوب ، رد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عليهم في كتابه القيم : درء تعارض العقل والنقل فقد تتبع آراءهم وأفكارهم واحدة واحدة ورد عليها رداً مفحماً .. وبين أن صريح العقل لا يكمن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل .

وقد ذكر في هذا الحديث أكثر من مرة أن المعتزلة اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الموحي ، وقد يتوهم أحد أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه . ولكن هذا يرده دعوة الإسلام إلى التفكر في خلق السماوات والأرض والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك مما هو معروف ومشهور مما دعى العقاد - رحمه الله - إلى أن يؤلف كتاباً بعنوان : التفكر فريضة إسلامية ، ولهذا فإن من انحرافات المعتزلة هو استعمالهم العقل في غير مجاله : في أمور غيبية مما تقع خارج الحس ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة ، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها وهو أمر لا يسلم به دائماً حتى لو اتبعت نفس الأساليب التي استعملوها في الاستنباط والنظر العقلي : مثل نفيهم الصفات عن الله اعتماداً على قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) . وكان الصحيح أن لا تنفى عنه الصفات التي أثبتها لنفسه سبحانه وتعالى ولكن تفهم الآية على أن صفاته سبحانه وتعالى لا تماثل صفات المخلوقين :

وقد حدد العلماء مجال استعمال العقل بعدد من الضوابط منها :
- أن لا يتعارض مع النصوص الصحيحة .
- أن لا يكون استعمال العقل في القضايا الغيبية التي يعتبر الوحي هو المصدر الصحيح والوحيد لمعرفتها.
- أن يقدم النقل على العقل في الأمور التي لم تتضح حكمتها " وهي ما يعرف بالأمور التوقيفية ".
ولا شك أن احترام الإسلام للعقل وتشجيعه للنظر والفكر لا يعدمه على النصوص الشرعية الصحيحة . خاصة أن العقول متغيرة وتختلف وتتأثر بمؤثرات كثيرة تجعلها لا تصلح لأن تكون الحكم المطلق في كل الأمور
ومن المعروف أن مصدر المعرفة في الفكر الإسلامي يتكون من .
1- الحواس وما يقع في مجالها من الأمور الملموسة من الموجودات .
2- العقل وما يستطيع أن يصل إليه من خلال ما تسعفه به الحواس والمعلومات التي يمكن مشاهدتها واختبارها وما يلحق ذلك من عمليات عقلية تعتمد في جملتها على ثقافة الفرد ومجتمعه وغير ذلك من المؤثرات .
3- الوحي من كتاب وسنة حيث هو المصدر الوحيد والصحيح للأمور الغيبية ، وما لا تستطيع أن تدركه الحواس ، وما أعده الله في الدار الآخرة ، وما أرسل من الرسل الخ …
وهكذا يظهر أنه لا بد من تكامل العقل والنقل في التعامل مع النصوص الشرعية كل فيما يخصه وبالشروط التي حددها العلماء .

الجذور الفكرية والعقائدية :
هناك رواية ترجع الفكر المعتزلي في الصفات إلى أصول يهودية فلسفية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي.
وقيل : إن مناقشات الجهم بن صفوان مع فرقة السمنية - وهي فرقة هندية تؤمن بالتناسخ - قد أدت إلى تشكيكه في دينه وابتداعه لنفي الصفات .
إن فكر يوحنا الدمشقي وأقواله تعد مورداً من موارد الفكر الاعتزالي ، إذ أنه كان يقول بالأصلح ونفي الصفات الأزلية حرية الإرادة الإنسانية .

- ونفي القدر عند المعتزلة الذي ظهر على يد الجهني وغيلان الدمشقي ، قيل إنهما أخذاه عن نصراني يدعى أبو يونس سنسويه وقد أخذ عمرو بن عبيد صاحب واصل بن عطاء فكرة نفي القدر عن معبد الجهني .
- تأثر المعتزلة بفلاسفة اليونان في موضوع الذات والصفات ، فمن ذلك قول أنبادوقليدس الفيلسوف اليوناني : " إن الباري تعالى لم يزل هويته فقط وهو العلم المحض وهو الإرادة المحضة وهو الجود والعزة ، والقدرة والعدل والخير والحق ، لا أن هناك قوى مسماة بهذه الأسماء بل هي هو ، وهو هذه كلها " انظر ا لملل والنحل ج 2 / ص58.
وكذلك قول أرسطو طاليس في بعض كتبه " إن الباري علم كله قدره كله ، حياة كله ، بصر كله " .
فاخذ العلاف وهو من شيوخ المعتزلة هذه الأفكار وقال : إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته قادر بقدره وقدرته ذاته ، حي بحياة وحياة ذاته .

- وأخذ النظام من ملاحدة الفلاسفة قوله بإبطال الجزء الذي لا يتجرأ بنى عليه قوله بالطفرة ، أي أن الجسم يمكن أن يكون في مكان ( أ ) ثم يصبح في مكان ( ج ) دون أن يمر في ( ب ) .
وهذا من عجائبه حتى قيل : إن من عجائب الدنيا : " طفرة النظام وكسب الأشعري " .
- وإن أحمد بن خابط والفضل الحدثي وهما من أصحاب النظام قد طالعا كتب الفلاسفة ومزجا الفكر الفلسفي مع الفكر النصراني مع الفكر الهندي وقالا بما يلي :
1- إن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة .
2- إن المسيح تدرع بالجسد الجسماني وهو الكلمة القديمة المتجسدة .
3- القول بالتناسخ .
4- حملا كل ما ورد في الخبر عن رؤية الله تعالى على رؤية العقل الأول هو أول مبتدع وهو العقل الفعال الذي منه تفيض الصور على الموجودات .

يؤكد العلماء تأثير الفلسفة اليونانية على فكر المعتزلة بما قام به الجاحظ وهو من مصنفي المعتزلة ومفكريهم فقد طالع كثيراً من كتب الفلاسفة وتمذهب بمذهبهم - حتى إنه خلط وروج كثيراً من مقالاتهم بعبارته البليغة .
- ومنهم من يرجع فكر المعتزلة إلى الجذور الفكرية والعقدية في العراق - حيث نشأ المعتزلة - الذي يسكنه عدة فرق تنتهي إلى طوائف مختلفة ، فبعضهم ينتهي إلى الكلدان وبعضهم إلى الفرس وبعضهم نصارى وبعضهم يهود وبعضهم مجوس . وقد دخل هؤلاء في الإسلام وبعضهم قد فهمه على ضوء معلوماته القديمة وخلفيته الثقافية والدينية .

الفكر الاعتزالي الحديث :
يحاول بعض الكتاب والمفكرون في الوقت الحاضر إحياء فكر المعتزلة من جديد بعد أن عفا عليه الزمن أو كاد .. فألبسوه ثوباً جديداً ، وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل … العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي ..

- وقد قوى هذه النزعة التأثر بالفكر الغربي العقلاني المادي ، وحاولوا تفسير النصوص الشرعية وفق العقل الإنساني .. فلجأوا إلى التأويل كما لجأت المعتزلة من قبل ثم أخذوا يتلمسون في مصادر الفكر الإسلامي ما يدعم تصورهم ، فوجدوا في المعتزلة بغيتهم فأنكروا المعجزات المادية .. وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل .. إلا من هذا القبيل .

وأهم مبدأ معتزلي سار عليه المتأثرون بالفكر المعتزلي الجدد هو ذاك الذي يزعم أن العقل هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة ، حتى لو كانت هذه الحقيقة غيبية شرعية ، أي أنهم أخضعوا كل عقيدة وكل فكر للعقل البشري القاصر .
وأخطر ما في هذا الفكر الاعتزالي .. محاولة تغيير الأحكام الشرعية التي ورد فيها النص اليقيني من الكتاب والسنة .. مثل عقوبة المرتد ، وفرضية الجهاد ، والحدود ، وغير ذلك .. فضلاً عن موضوع الحجاب وتعدد الزوجات ، والطلاق والإرث .. الخ .. وطلب أصحاب هذا الفكر إعادة النظر في ذلك كله ..
وتحكيم العقل في هذه المواضيع . ومن الواضح أن هذا العقل الذي يريدون تحكيمه هو عقل متأثر بما يقوله الفكر الغربي حول هذه القضايا في الوقت الحاضر .
ومن دعاة الفكر الاعتزالي الحديث سعد زغلول الذي نادى بنزع الحجاب عن المرأة المصرية وقاسم أمين مؤلف كتاب تحرير المرأة و المرأة الجديدة ، ولطفي السيد الذي أطلقوا عليه : " أستاذ الجيل " وطه حسين الذي أسموه " عميد الأدب العربي " وهؤلاء كلهم أفضوا إلى ما قدموا . هذا في البلاد العربية .

أما في القارة الهندية فظهر السير أحمد خان ، الذي منح لقب سير من قبل الاستعمار البريطاني . وهو يرى أن القرآن الكريم لا السنة هو أساس التشريع وأحل الربا البسيط في المعاملات التجارية . ورفض عقوبة الرجم والحرابة ، ونفى شرعية الجهاد لنشر الدين ، وهذا الأخير قال به لإرضاء الإنجليز لأنهم عانوا كثيراً من جهاد المسلمين الهنود لهم .
- وجاء تلميذه سيد أمير علي الذي أحل زواج المسلمة بالكتابي وأحل الاختلاط بين الرجل والمرأة .

- ومن هؤلاء أيضاً مفكرون علمانيون ، لم يعرف عنهم الالتزام بالإسلام .. مثل زكي نجيب محمود صاحب ( الوضعية المنطقية ) وهي من الفلسفة الوضعية الحديثة التي تنكر كل أمر غيبي .. فهو يزعم أن الاعتزال جزء من التراث ويجب أن نحييه ، وعلى أبناء العصر أن يقفوا موقف المعتزلة من المشكلات القائمة ( انظر كتاب تجديد الفكر العربي ص 123 ) .

- ومن هؤلاء أحمد أمين صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية مثل فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام ، فهو يتباكى على موت المعتزلة في التاريخ القديم وكأن من مصلحة الإسلام بقاؤهم ، ويقول في كتابه : ضحى الإسلام : " في رأيي أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة " .

- ومن المعاصرين الأحياء الذين يسيرون في ركب الدعوة الإسلامية من ينادي بالمنهج العقلي الاعتزالي في تطوير العقيدة والشريعة مثل الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه الفكر الإسلامي والتطور .. والدكتور حسن الترابي في دعوته إلى تجديد أصول الفقه حيث يقول : " إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تحتاج إلى اجتهاد عقلي كبير ، وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقل إنكاره ، والاجتهاد الذي نحتاج إليه ليس اجتهاداً في الفروع وحدها وإنما هو اجتهاد في الأصول أيضاً " ( أنظر كتاب المعتزلة بين القديم والحديث ص 138 ) .

- وهناك كتاب كثيرون معاصرون ، ومفكرون إسلاميون يسيرون على المنهج نفسه ويدعون إلى أن يكون للعقل دور كبير في الاجتهاد وتطويره ، وتقويم الأحكام الشرعية ، وحتى الحوادث التاريخية .. ومن هؤلاء فهمي هويدي ومحمد عمارة - صاحب النصيب الأكبر في إحياء تراث المعتزلة والدفاع عنه - خالد محمد خالد و محمد سليم العوا ، وغيرهم . ولا شك بأهمية الاجتهاد وتحكيم العقل في التعامل مع الشريعة الإسلامية ولكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار نصوصها الثابتة وبدوافع ذاتية وليس نتيجة ضغوط أجنبية وتأثيرات خارجية لا تقف عند حد ، وإذا انجرف المسلمون في هذا الاتجاه - اتجاه ترويض الإسلام بمستجدات الحياة والتأثير الأجنبي بدلاً من ترويض كل ذلك لمنهج الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - فستصبح النتيجة أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من الشريعة إلا رسمها ويحصل للإسلام ما حصل للرسالات السابقة التي حرفت بسبب أتباع الأهواء والآراء حتى أصبحت لا تمت إلى أصولها بأي صلة .

ويتضح مما سبق :
أن حركة المعتزلة كانت نتيجة لتفاعل بعض المفكرين المسلمين في العصور الإسلامية مع الفلسفات السائدة في المجتمعات التي اتصل بها المسلمون . وكانت هذه الحركة نوع من ردة الفعل التي حاولت أن تعرض الإسلام وتصوغ مقولاته العقائدية والفكرية بنفس الأفكار والمناهج الوافدة وذلك دفاعاً ع الإسلام ضد ملاحدة تلك الحضارات بالأسلوب الذي يفهمونه . ولكن هذا التوجه قاد إلى مخالفات كثيرة وتجاوزات مرفوضة كما فعل المعتزلة في إنكار الصفات الإلهية تنزيها لله سبحانه عن مشابهة المخلوقين .


الهندوسية
ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وقد تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر، إنها ديانة تضم القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية متخذة عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها فلكل منطقة إله ولكل عمل أو ظاهرة إله ولا يوجد للهندوسية مؤسس معين ولا يعرف لمعظم كتبها مؤلف معين فقد تشكلت خلال مراحل طويلة ويقال إن الآريون الغزاة الذين قدموا الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسسون الأوائل للديانة الهندوسية وتمازجت بالديانات القديمة
وتطورت الهندوسية في الثامن قبل الميلاد على أيدي الكهنة البراهمة الذين كانوا يزعمون بأن في طبائعهم عنصراً إلهياً، ويعتقد الهندوس أن لكل طبيعة نافعة أو ضارة إلهاً يعبد وهي آلهة كثيرة، وفي القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في آله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه: براهما: من حيث هو موجد، فشنو: من حيث هو حافظ، سيفا: من حيث هو مهلك، فمن عبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً فلا فرق ببينها، ويلتقي الهندوس على تقديس البقرة، ويعتقد الهندوس أن آلهتهم قد حلت كذلك في إنسان اسمه كرشنا قد التقى فيه الإله في الإنسان أو حل اللاهوت في الناسوت، ومنذ وصول الآريون إلى الهند شكلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن ولا طريق لإزالتها لأنهم يزعمون أنها تقسيمات أبدية الله هو الذي قسمها وهي على النحو التالي: 1 ـ البراهما: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه ومنهم المعلم والكاهن والقاضي ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم،
2 ـ الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه وهم الذين يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع، 3 ـ الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه وهم الذين يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال وينفقون على المعاهد الدينية، 4 ـ الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه وهم مع الزنوج الأصليين يشكلون طبقة المنبوذين وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة، والجميع يخضع لهذا التقسيم الطبقي بدافع ديني ولا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة من طبقة أعلى منه ويجوز من أدنى منه إلا طبقة الشودر فلا يجوز، والبراهمة هم صفوة الخلق وقد ألحقوا بالآلهة ولهم أن يأخذوا من عبيدهم( الشودر) ما يشاءون، وإن استحق البرهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه أما غيره فيقتل، والشودر المنبوذون أحط من البهائم ومن سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجراً وثواب وغير ذلك من القوانين المجحفة في حق طبقة الشودر
وقد حاول الزعيم الهندي( غاندي) تقليص الحدة بين الطبقات وبين المنبوذين ولكن محاولاته لم تنجح بل كان هو ذاته ضحية لهذه المحاولة، وقد ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم وإدخالهم في أديان أخرى لا سيما النصرانية والشيوعية من خلال فكرة صراع الطبقات، ويعتقد الهندوسيون أن نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض وهذا العدل سيقع حتماً إما في هذه الحياة أو في حياة أخرى يحاسب فيها الإنسان ويجازى حسب عمله فيعيش حياة أخرى فهم يعتقدون بتناسخ الأرواح فالهندوسي عندما يموت يحرق جسده وذلك تخليصاً للروح من الجسد ولكي نسمح للروح بالانطلاق نحو الأعلى بشكل عمودي بسرعة كي تصل إلى الملكوت الأعلى، وعندما تتخلص الروح وتصعد يكون أمامها ثلاثة عوالم إما العالم الأعلى وهو عالم الملائكة وإما عالم الناس وهو مقر الآدميين بالحلول وإما عالم جهنم وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب
وقد رفضت الهندوسية حركة الإصلاح الداخلي المتمثلة في( البوذية والجينية) ورفضت كذلك حركة الإصلاح الخارجي المتمثلة بالإسلام. وكانت الديانة الهندوسية تحكم شبه القارة الهندية وتنتشر فيها ولكن البون الشاسع بين اعتقاد الهندوسيون والمسلمين فالهندوس يقدسون البقر والمسلمون يذبحونها ويأكلونها ونتيجة للاختلاف بينهما حدث تقسيم الهند وأعلن عن قيام باكستان بجزأيها الشرقي والغربي وأغلبها مسلمون.


الوجودية
تيار فلسفي يعلي من قيمة الإِنسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه.
التأســيس وأبـــرز الشخصــيات:
- يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كير كجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية. من خلال كتابه: رهبة واضطراب.
- أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وهو ملحد ويناصر الصهيونية له عدة كتب وروايات تمثل مذهبه منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق.
- ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية.
-كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني.
-بسكال بليز: مفكر فرنسي.
-وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.

الأفـــكار:
-يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.
-يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.
-يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.
-يقولون: إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
-يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
-يقولون: إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
- لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

الجــذور الفــكرية والعقائـــدية:
-إن الوجودية جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين.
-تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
-تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة (اعرف نفسك بنفسك).
-تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس.

يعتقد أصحاب الفلسفة الوجودية، أن الإنسان يسبق ماهيته أي أنه يوجد بلا ماهية ككائن حي ويكون وجوده على مبدأ حريته في الاختيار وتحمل مسئولية هذا الاختيار وهذا يؤدي إلى تحديد ماهيته، فمثلا بذور الشجرة هي التي تحددها كشجرة، وهذا يعني أن وجود الشجرة يرجع إلى وجود البذرة التي تحددها كشجرة، وهذا يعني أن وجود الشجرة يرجع إلى وجود البذرة التي تعطيها ماهية الشجرة وينطبق ذلك على الإنسان الذي باختياره يحدد ماهيته ولا شك أن عملية الاختيار تتطلب وجوده.

لذلك فان من أهم مبادئ الوجودية هو اختيار الإنسان لوجوده واختياره للشخصية التي يؤديها من خلال حرية الاختيار لأخذ قراراته. إن الفرد حر باختياره في الفلسفة الوجودية، غير انه مسؤول عن هذا الاختيار نحو نفسه ونحو غيره، فالاختيار يتضمن المسؤولية لأنه رغم أن الإنسان حر في اختياره إلا انه مقيد بمسؤولية هذا الاختيار.والإنسان عادة يتعرض لمواقف ذات اختيارات مختلفة، ففي اختياره تحديد لمصيره، ولنأخذ مثل الفنان في مفهوم الوجودية، انه حر وغير مقيد بالقيم الاجتماعية أو الثقافية، فهي ليست حتمية ولكنه مسؤول باختياره لتصرفاته، فتصرفه يحدد ماهيته وما إبداعه الفني إلا تمثيل لماهيته.

ليس من السهولة إعطاء تخليص عن مبدأ الوجودية لأنها ترفض أي عمل يطابق الحقيقة الموضوعية خارج الفرد. إن الوجودية ترفض الوجود الذي يعرف بأنه التجربة المباشرة التي يعيشها الفرد وتأخذ أولويتها فوق الماهية أو الأحكام المطلقة العقلية، ويهمنا أن يكون للفرد عزيمة ليختار من بين احتمالات عديدة من العقل ويرتبط بأفكار معينة تحدد فعله وإلا لا يعتبر ذاتا حقيقية. وكما قال نيتشة ((إن رأيي هو رأيي، والفرد الآخر لا حق له عليه )). ورغم الاختلاف بين الفلاسفة الوجوديين إلا أن هناك ما يجمعهم وهو منهجهم الذاتي للحقيقة ورفضهم للمنهج العقلي المادي أو الموضوعي. لذلك فان الاختلاف بينهم لا يرجع إلى المنهج بل إلى نوعية اهتماماتهم.

وترجع جذور الفلسفة الوجودية إلى سوروكين كيركبجار حيث نقد مبادئ فلسفة الظاهرات والتي تقول أن الماهية تسبق الوجود وأكد عكس ذلك بأن الوجود يسبق الماهية.وبهذا ظهرت بداية الفلسفة الوجودية التي انتشرت مبادئها في ألمانيا وفرنسا، ففي ألمانيا حمل لواءها كارل ياسبرز ومارتين هيديجر وفي فرنسا بدأت مع جبرائيل مارسيل وجان بول سارتر ثم ميرلوبونتي والبرت كامي وهناك كذالك مارتين بوبر وبول تيللي من اصل ألماني واتجاه لاهوتي.غير أن التفكير الوجودي يرجع إلى ابعد من كيركيجارد فنجد جذوره في فلسفة سقراط وأفلاطون.

وان الفلسفة الوجودية باتجاهها الميتافيزيقي هي فلسفة إنسانية تهتم بالإنسان ووجوده لإثبات فرديته وتحقيق حريته. إن الوجودية تتطلع إلى الجانب الفاضل بالإنسان. لقد أعطته حرية الاختيار وبنفس الوقت مسؤولية هذا الاختيار. إنها تنظر إلى الإنسان كذات وتهتم بهذه الذات وعلاقتها مع الغير، كما أنها تنظر إلى جانبه المؤلم وشعوره بالاغتراب ويأسه ضيقه. وما اليأس إلا نهاية حياة الإنسان في عدم ووجود العدم يدعو الإنسان إلى العمل لذلك فالمعرفة الوجودية هي معرفة الذات الحقيقية والشعور الذاتي هو أسمى أنواع المعرفة بنظر الوجودية، فهو أسمى من المعرفة العقلية أو الحسية.


الوضعية المنطقية
تهدف الفلسفة الوضعية المنطقية إلى تغيير اتجاه الفكر الفلسفي من تفكير ميتافيزيقي إلى تفكير علمي متأثرة بالمنهج الحسي وفلاسفته ومن أهمهم بيكون ولوك وهيوم، و في هذا هي معرفة علمية، وقد تطورت و أصبحت مقترنة بدائرة فيينا متأثرة بفلسفة فيتشجنتاين اللغوية، وقد حمل لواءها الفريد آير في انجلترا وأصبحت حركة فلسفية في القرن العشرين، ويرجع مصطلح الوضعية إلى أوجست كونت.

ومن أهم مبادئ الوضعية التحقق من صحة ما نبحث عنه، فالمعرفة يجب أن تثبت وتبرهن بملاحظات علمية و تبريرات حسية، وهذه أهم مقاييسها للوصول إلى الحقيقة فما لا يحس لا معنى له و ما لا معنى له لا حقيقة له. لقد ركزت الوضعية المنطقية على مشكلة المعنى وطورت مبدأ التبرير وهذا يعني أن شيئا يعتبر ذو معنى إذا كان مبررا بمنهج تبريري أي منهج علمي مما جعلها تستبعد الميتافيزيقا. لقد رفضت الوضعية المنطقية مقاييس التفكير الميتافيزيقي بالمعرفة و الذي قوامه المعرفة المتغيرة لا الثابتة، التجريبية لا المطلقة، الاستقرائية لا الاستنباطية، الجزئية لا الكلية، المبرهنة لا التأملية،

وهي معرفة مرتبطة بعالمنا المادي الواقعي الذي نعيش فيه.و في هذا تشترك الفلسفة الوضعية مع الفلسفة اللغوية في رفضها للميتافيزيقا كأداة للمعرفة وفي تأكيدها أن التفكير الميتافيزيقي لا يحمل معنى يشير إلى الصواب أو الخطأ والفلسفة يجب أن تركز على اليقين. لقد رفضت الوضعية خصائص التفكير الميتافيزيقي و منهجه العقلي وآثرت أن تسند معرفتها على التجربة لأن في التجربة برهان و تبرير و إثبات. وهكذا فإن الوضعية المنطقية ترفض أي قوة أو مضمون يذهب بإبعاده عن الحقائق أو القوانين العلمية. ويرى آير أن جميع الفروض التي لديها مضمون حقيقي هي فروض علمية و وظيفة
الفرض العلمي أن يمدنا بقانون للتنبؤ بالتجربة. أما إذا لم يتلاءم الفرض مع التجربة فليس له مضمون حقيقي و هذا ما يعنيه آير بمبدأ التبرير.


ويؤكد آير أننا يجب أن نبعد كل تفكير ميتافيزيقي وفلسفة تأملية ونقضي عليها وننظر إلى الفلسفة من وجهة علمية، فمن واجب الفيلسوف أن يختبر مدى صحة فرضياته العلمية ويبررها و يبين المقاييس التي يستعملها لكي يؤكد حقيقة الخطأ أو الصواب لأي فرض. وان تفضيل الفروض العلمية على الفروض الميتافيزيقية يرجع إلى أن الأولى أكثر تجربة، و أكثر دقة.كما أن تاريخ الفلسفة يشير إلى أن معظم الفلاسفة العظماء لم يكونوا ميتافيزيقيين بل تحليليين


التفكيكية
التفكيكية Deconstruction شرحها جاك دريدا من خلال ثلاثة كتب و هي ولدت على أنقاض ماتهشم من جدران البنيوية.
أي هي تالية لها زمناً. ولدت في فرنسا قبل 35 عاماً و لكنها هاجرت الآن إلى شواطئ أخرى. هي ليست فلسفة, بل نقد للفلسفة, للغة للأدب, و كان شعار دريدا "لاشيء خارج النص"

جاك دريدا يقول: أن النص نفسه قد يكون هو النص الأصلي القديم و لكن أهواء النفوس حرفت معناه, غالباً سبب ارتزاقي ديني, ملالي إيران, باباوات الغرب, حاخامات اليهود, و أيضاً قد يكون السبب سياسي.
دريدا يقول في كتابه ecriture مثلاُ أن النص هو النص و لكن معناه يتبع كلام قراءة صاحب النص.
و لا يمكن أن نتحدث عن ما بعد الحداثة من غير أن نمر على "جاك دريدا"بوصفه الأب الروحي للموقف التفكيكي (التشريحي) والعراب الذي يقف وراء طغيان هذا الموقف على الأوساط الفكرية ..
نحن لا نملك أن نعرف "التفكيكية" .. لأننا إذ نحاول ذلك فإننا نتحدى أهم مبادئها .. وهي إنكار التعريف النهائي .. أو المطلق ..

بؤرة "التفكيكية" تتركز في اعتبار الحقيقة مفهوم نسبي يعتمد على موقف المثقف وإطاره المعرفي الذي ينطلق منه .. المثقف الذي لن يكون محايدا أبدا .. مثله مثل "الكاهن" الذي يرى بنور الله .. أو البرجوازي الذي يرى بعيون الشيطان (المال) .. أو السياسي الذي لا يرى أصلا .. الكل يعتقد أن أحكامه ترتكز إلى مقدمات منطقية .. ومقنعة أيضا ..

كيف تعرّف مصطلحاً ؟
إنك وأنت تحاول أن تعرف أي مفهوم فإنك تلجأ إلى "تحريك" اللغة الساكنة وتستنجد بألفاظ لها روح "حيوية" تمكنك من إيصال الفكرة .. وهنا تكمن المشكلة ..
"تحريك" و "حيوية" .. تأمل هاتين الكلمتين .. إذن هناك حركة .. ونبض .. وقفز .. ونشاط .. هناك باختصار "لَعِب" .. وهناك لعبة .. نحن لا نتكلم باللغة .. وإنما نلعب بها..ولذلك فإن العلاقة بين اللغة والحقيقة ليست موجودة
..does not exist.. وحتى إن وجدت .. فإنها ليست محل ثقة .. لأن بنية اللغة هي في نهايتها تصور ثقافي متوارث .. وليست سوى ذلك .. هذا الموقف المتشكك -على بساطته- كان له دوي سياسي كبير.. فلفترة طويلة جدا .. كان هناك افتراض أن الفلسفة متلاحمة مع الأدب واللغة .. وأن العلاقة بين الكلمة ودلالاتها علاقة راسخة وموثوقة.

الكل يعتقد أن اللغة هي مرآة للطبيعة .. لكن هذا الافتراض عند دريدا وأتباعه ليس إلا وهما قد نذروا أنفسهم لاستئصاله .. إنها سكرة من سكرات الخداع حين نعتقد بأن للكلمة معنى "حقيقي" في هيكل الوجود ..أو أن لها (للكلمة) إيحاء حياديا .. ولذا فإن الفلسفة أو العلوم أو الروايات -عند ما بعد الحداثة - لم تعد تعبر عن العالم كما كان يعتقد .. حتى الروايات التاريخية "المعتمدة" هي عرضة للنقد والتساؤل .. ليس هذا وحسب .. بل إن من يعتقد صحة الروايات التاريخية يتهم بالثقة الساذجة بما سمي على سبيل التهكم "النصوص (الحقيقية) الصفراء" .. إن دريدا لا يخوض في البحث عن تفسير "صحيح" .. إنه يرى تفاسير مختلفة .. تناولتها الأيدي بالتزييف والتحريف ..
قد يكون التزييف بإضفاء هالة خارقة كَـأنَ يعبر عن النص بمرجعيته لإله مثلا.. أو باللجوء لمصطلحات مقبولة .. وفي نفس الوقت غامضة .. مثل "المنطق" ..أو "الإنسانية" .. وغالبا ما تنصب عملية التزييف هذه من أجل أن تحقق مرجعيةً تمارِسُ نوعا من التنظيم للخطاب الفكري والثقافي .. والأهم من ذلك تتولى هذه المرجعية ترسيخَ العلاقات بين الكلمة ودلالاتها بطريقة جامدة ..

علينا أن نتذكر أن دريدا لا يقول أن العلاقة بين الكلمة ودلالتها خطأ ..وإنما ينتقد أن يكون للكلمة دلالة معروفة .. وسبب ذلك أن الكلمة التي لها دلالة .. تتكئ في دلالتها على كلمات أخر ومفاهيم تعتمد النسبية ..
مثال ذلك .. أن تكون جنديا أمريكيا في العراق .. فلكي تزعم أنك منطقي .. ساع لتحقيق العدالة .. ومحب للسلام .. فلابد أن تفترض أن المقابل الذي تصوب له بندقيتك .. ملعون .. خبيث .. عدو للشعوب.. حتى وهو يتخبط في دمائه ..

)أثناء الحرب الكورية .. خرجت مجلة التايم الأمريكية بصورة لجندي أمريكي يدوس أحد الجنود الكوريين المحترقين بالغاز .. وقد كتب على الغلاف "وحوش" .. ترى من كانوا يقصدون بالوحوش ؟؟ .. ).
حسب رأي دريدا .. أن منهج التفكيك هو الوحيد الذي يكفل تقويض ثقتنا في الأشياء المألوفة سياسيا وأخلاقيا ومنطقيا .. وبما أننا مأسورون في قفص النظام اللغوي .. ولا فكاك من قبضته .. فالكلمات .. وما يتبعها من "معلومات" و"معرفة" و"حكمة" لابد أن تفسر من خلال ارتباطها بالأنظمة الفكرية والثقافية التي نبعت منها .. وبالتالي لا يمكن لها أن تعبر عن الحقيقة كما نرغب.. "الكلمة" هي مجرد شفرة حفرت دلالاتها في اللاوعي الإنساني .. والمعاني يذلك ليس لها وجود !

فقط أن ندرك أن الحقيقة شكل من أشكال الخيال .. وأننا لا نعيش الحقيقة بقدر ما نعيش داخل تصوراتنا لها .. القراءة -تصبح بهذا- نوعا من عدم القراءة .. والفهم ليس إلا سوء فهم ..
إذا اعتمدنا هذا التصور سنجد أن التراكمات الفكرية التي تمخضت عن نظم اجتماعية.. وهوية إنسانية.. وحضارة .. ومفردات كبيرة أخرى نشأت في الأصل "بترَكيب" بعضها فوق بعض بطريقة لا تقبل التبرير أبدا ..
طريقة "التركيب" -وحدها- هي التي أفرزت لنا هذه المفاهيم .. ولو تم تركيب الأفكار بطريقة أخرى لخرجت لنا نفس المفاهيم ولكن لتدل على معان أخرى مختلفة تماما .. قد يقول قائل .. كلا .. فلو تم تركيب الأفكار بطريقة أخرى لخرجت لنا مفاهيم "جديدة" ..

لكن "ما بعد الحداثة" تعتقد أن اللغة شحيحة وأن تكوينها سيقودنا دوما نحو نفس المفاهيم .. (وهذا ما يفسر احتفاء "ما بعد الحداثة" بعلم اللغويات وبنظريات تشومسكي التي أكد فيها أن اللغة والتخاطب لها قوانين كونية و (جينية) وليست كما يتصور الداروينيون .. الذين يريدون أن تكون اللغة مجرد تطور تلقائي للإنسان في رحلته الطويلة التي صارع فيها البقاء)
وجد أتباع دريدا أنفسهم بعد أن تغلغلت هذه الأفكار في نسيجهم الثقافي مدفوعين تلقائيا لصنع نظريات إعادة كتابة التاريخ و ما صاحبها من موت المؤلف ..

التاريخ أصبح مجرد رواية قيدت نفسها بالأساطير والقصص والخرافات والاستعارات .. فمصادر هذه الرواية في نظرهم -مهما كان حيادها وموضوعيتها- كانت منهمكة في صنع حبكة روائية من نصوص وأحداث متسلسلة ..
من حق كل مؤرخ أن يروي لنا قصته .. ويختمها بـ "تمت" .. وليس لأحد أن يطالبنا بعد ذلك أن نعد ما رواه لنا هو "القصة" .. حتى ولو كان هو (أو هي) يرمي إلى ذلك .. نعم ..ستكون لنا روايات بعدد المؤرخين .. وستتنافس فيما بينها .. ولأننا لا نملك العودة للماضي لاستكشاف الحقائق .. فلن يتبقى لنا إلا أن نتعايش مع الروايات المتصارعة بمبدأ النسبية .. حيث لا اعتقاد هو "أفضل" من اعتقاد آخر .."


البنيوية
البنيوية: مشتقة من الأصل اللاتيني (Stuere)وتعني الطريقة التي قام عليها مبنى ما من الناحية الفنية المعمارية وهذا المعنى قريبا جدا من أصل الكلمة في اللغة العربية و ضمن الإطار التقريبي بين اللغتين العربية واللاتينية صوره بعض اللغويين العرب على أنه الهيكل الذي يقوم عليه التشييد والتركيب من خلال ممارسات نقدية تتناول علوم كثيرة من ضمنها الأدب بفرعيه الشعر والنثر نأتي الآن إلى إشكالية التعريف بصورة مبسطة البنيوية وفق الاصطلاح كمنهج نقدي عام هي رؤية ذهنية للباحث أو الناقد تقوم على استبصار التصميم الداخلي للعمل ومن ثم تحليله وفق معطيات نظرية خاصة بكل علم وفن على حدا عن طريق اكتشاف علاقات هذا العمل توصلا إلى فهمه فهما دقيقا مثال إذا أخذنا البنيوية كمنهج نقدي للأدب لابد من التعريج على نظرية جاكوبسن مؤسس البنيوية اللغوية الحديثة فهو يرى أن كل حدث لغوي يتضمن رسالة وأربعة عناصر.
التفكيكية هي قراءة نقدية فلسفية مزدوجة للعمل من خلال نظامين النظام الأول يقوم على تتبع الأساليب التعبيرية للكاتب التي تقوم عليها أفكاره النظام الثاني يقوم بتحليل دقيق للكلمات التي استخدمت للتعبير عن تلك الأفكار وفق أبعاد فلسفية تكشف لنا معطيات نفسية و مركبات فكرية لصاحب العمل وهي تشكل هجوم على الكتاب لأنها تكشف ما بتفكيرهم من تناقض مع أنفسهم نتيجة تناولهم لقضايا معينة




العلمانية *الفلسفة اللغوية * القدرية *الكونفوشيوسية * المشبهة

العلمانية *الفلسفة اللغوية * القدرية *الكونفوشيوسية * المشبهة

العلمانية
العلمانية بالإنكليزية (SECVLARISM) وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم وهي اصطلاح لا صلةله بكلمة العلم (SCIENCE) والمذهب العلمي (SCIENTISM) وقد نشأت هذه الدعوة في أوروبا عندما تحول رجال الدين النصارى إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس والرهبانية والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران ووقف رجال الدين من الكنيسة ضد العلماء الكونيين وأسسوا محاكم التفتيش لمحاكمة رجال العلم والفكر على ما يرتكبونه مما يعده رجال الدين النصارى مخالفاً لآراء الكنيسة وتعاليمها فكان إذا ثبت على أحدهم شيء من ذلك استتيب وأخذت عليه المواثيق بأن لا يعود إليه فإن عاد قبضوا عليه وفعلوا فيه الأفاعيل... فمثلاً: (جردانو): صنع التلسكوب فعذب عذاباً شديداً، (وسبينوزا): صاحب مدرسة النقد التاريخي وكان مصيره الإحراق؟!! فأهلك على هذه الصورة في مدى القرون الوسطى كثير من العلماء من ذوي المكانة العلمية العالية

ومن العباقرة المجددين واستمرت هذه الحال حتى ضعف سلطان رجال الدين لنشوء الشقاق العظيم بينهم بظهور البروتستانتية واعتناق ممالك برمتها هذا المذهب والبروتستانتية اضطرت لاجتناب النفوس إليها أن تطلق الحرية للعقول فانتصر العلم وجعل دعاة العلم يحاربون ليس فقط رجال الدين بل جعلوا يحاربوا كل الأديان ومن هنا نشأت العلمانية وهي ابعاد الدين عن الدولة والسياسة وظهرت شعارات العلمانية: (الدين لله والوطن للجميع) (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين) والثورة الفرنسية، وتجعل الدين عبارة عن طقوس وشعائر روحية، والعلمانية تعادي الكنيسة عداءً مطلقاً أولاً وتعادي الدين أياً كان ثانياً ولليهود دور بارز في ترسيخ العلمانية من أجل السيطرة وذلك من خلال إزالة الحاجز الديني الذي يقف أمام اليهود حائلاً بينهم وبين أمم الأرض، وقد ولدت العلمانية في أوروبا ثم صار لها وجود سياسي بالثورة الفرنسية وانتشرت العلمانية في العالم بعد ذلك بتأثير الاستعمار والتبشير.

الفلسفة اللغوية
تعتبر الفلسفة اللغوية من الحركات الفلسفية المسيطرة في الفلسفة المعاصرة، و كانت قد انبثقت مع نهاية الحرب العلمية الثانية رغم أن جذورها بدأت مع الحرب العالمية الأولى اثر جهود مجموعة فلاسفة دائرة فيينا، و تتمثل أهم مبادئها والتي هي مبادئ مؤسسها فيتشجنتاين في أن الفلسفة عبارة عن نشاط وليس لها محتوى حقيقي بل اهتمامها هو اهتمام لغوي مبني على مبدأ التحقق، فاللغة هي طريقنا إلى المعرفة في فلسفلة فيتشجنتاين وهذا يتضمن معرفة كيفية استعمال الكلمة في الجملة لأن لكل كلمة منطقها الخاص.

و يمكن القول أن الفلسفة اللغوية التحليلية جاءت كرد فعل على التفكير الميتافيزيقي، فقد أوضح فيتشجنتاين أن هدف الفلسفة لا يكمن في تفسير حقيقة الأشياء بل في توضيحها للوصول إلى المعاني، فالفلسفة لا تعدو أن تكون تحليلا لغويا، و ما المشكلات الميتافيزيقية إلا نتاج خطأ استعمال اللغة حيث يصعب برهان الفكرة علميا في حين تسعى فلسفة اللغة إلى توضيح الأفكار و برهنتها لغويا بغية الوصول إلى المعرفة الدقيقة لما نبحث عنه، و ما سبق معرفته لا لكشف حقائق نجهلها. و لذلك استبعدت الفلسفة اللغوية التفكير الميتافيزيقي ورفضت البحث في مسائل ميتافيزيقية مثل الكون وقيم الإنسان ومبادئه الثابتة وأصله ومصيره واعتبرت أن هذه القضايا غير ذات معنى ما دام ليس بالإمكان إيضاحها أو برهنتها وأنكرت كل بحث لا يستند على تفكير علمي.

وقد نظر فيتشجتاين(1889-1951) إلى اللغة كوسيلة للمعرفة، لذلك ركز على تفسير معنى الشيء الذي تعبر عنه الكلمة و كيفية استعمالها ويقول أنه من الخطأ أن نتساءل ما معنى الكلمة بل يجب أن نعرف كيف نستعملها؟ لذلك لا نتساءل عن معنى الأدوات الموجودة في الصندوق مثلا من مطرقة أو منشار...ولكن نتساءل عن وظائف هذه الكلمات.
فالفلسفة كما يخبرنا فيتشجنتاين يجب أن تكون ذات استعمال، كما انه يجب أن توضح أفكارنا و أفعالنا، ويؤكد أن هدف الفلسفة هو التوضيح المنطقي للأفكار إذ أنها ليست مبدأ و لكنها نشاط.
إن هدف الفلسفة أن تضع كل شيء أمامنا و لا تفسره، فما دام كل شيء واضحا فانه لا يحتاج إلى شرح أما ما هو مخبأ فلا يهمنا.و يعتقد فيتشجنتاين أن العبارة هي صورة للواقع ونموذج للحقيقة كما نفكر بها أن تكون، ويعتقد انه عندما نضع فرضا أو نكون جملة فإننا نبني نموذجا للحقيقة.فالعبارة المنقوشة على صفحة هي صورة وفي كل صورة يجب أن يكون هناك تطابق بين عناصر الصورة والأشياء في الجملة التي تمثلها. إن الصورة هي حقيقة وهذا يدل على أن عناصر الصورة مترابطة مع بعضها بطريقة معينة، فالفكر هو صورة، و كلية الأفكار تكون صورة حقيقية.


القدرية
هم من المعتزلة وقد كان للمعتزلة نحو عشرين مذهبا يجمعها كلها أمور منها نفيها عن اللّه صفاته الأزلية وقولها بأنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية. وزادوا على هذا قولهم إن اللّه تعالى لم يكن له في الأزل اسم ولا صفة.
ومنها قولهم باستحالة رؤية اللّه بالأبصار وقالوا أنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره واختلفوا فيه هل هو راء لغيره أم لا فأجازه قوم منهم وأباه قوم آخرون منهم.
ومنها اتفاقهم على القول بحدوث كلام اللّه وحدوث أمره ونهيه وخبره. وكلهم يزعمون أن كلام اللّه حادث وأكثرهم يسمون كلامه مخلوقا.

ومنها قولهم جميعا بأن اللّه تعالى غير خالق لأعمال الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات. وقالوا إن الناس هم الذين يقدرون أعمالهم وأنه ليس للّه في أعمالهم ولا في أعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير. ولأجل هذا القول سماهم أهل السنّة قدرية.
ومنها اتفاقهم على دعواهم في الفاسق من أمة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهي أنه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولأجل هذا سماهم المسلمون المعتزلة لاعتزالهم قول الأمة.

ومنها قولهم إن كل ما لم يأمر به للّه تعالى أو نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ اللّه شيئا منها.
قال العلامة أبو منصور عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة(429) هـ في كتاب الفرق بين الفرق:
" وزعم الكعبي في مقالاته أن المعتزلة اجتمعت على أن اللّه عزّ وجلّ شيء لا كالأشياء وأنه: خالق الأجسام والأعراض وأنه خلق كل ما خلقه لا من شيء. وعلى أن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التي خلقها اللّه سبحانه وتعالى فيهم. قال وأجمعوا على أنه يغفر لمرتكبالكبائر بلا توبة. وفي هذا الفصل من كلام الكعبي غلط منه على أصحابه من وجوه: منها قوله أن المعتزلة اجتمعت على أن اللّه تعالى شيء لا كالأشياء وليست هذه الخاصية للّه تعالى وحده عند جميع المعتزلة فإن الجبائي وابنه أبا هاشم قد قالا أن كل قدرة محدثة شيء لا كالأشياء ولم يخصوا ربهم بهذا المدح.

ومنها حكايته عن جميع المعتزلة قولهم بأن اللّه عزّ وجلّ خلق الأجسام والأعراض وقد علم أن الأصم من المعتزلة ينفي الأعراض كلها وأن المعروف منهم بمعمر يزعم أن اللّه تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض. وأن ثمامة يزعم أن الأعراض المتولدة لا فاعل لها. فكيف يصح دعواه إجماع المعتزلة على أن اللّه سبحانه وتعالى خالق الأجسام والأعراض. وفيهم من ينكر وجود الأعراض. وفيهم من يثبت الأعراض ويزعم أن اللّه تعالى لم يخلق شيئا منها.
" وفيهم من يزعم أن المتولدات أعراض لا فاعل لها والكعبي مع سائر المعتزلة زعموا أن اللّه تعالى لم يخلق أعمال العباد وهي أعراض عند من أثبت الأعراض فبان غلط الكعبي في هذا الفصل على أصحابه.

" ومنها دعوى إجماع المعتزلة على أن اللّه خلق ما خلق لا من شيء وكيف يصلح إجماعه على ذلك، والكعبي مع سائر المعتزلة سوى الصلح يزعمون أن الحوادث كلها كانت قبل حدوثها أشياء والعصريون منهم يزعمون أن الجواهر والأعراض كانت في حال عدمها جواهر وأعراضا وأشياء. والواجب على هذا الفصل أن يكون اللّه خلق الشيء من شيء وإنما يصح القول بأنه خلق الشيء لا من شيء على أصول أصحابنا الصفاتية الذين أنكروا كون المعدوم شيئا.
" وأما دعوى إجماع المعتزلة على أن العباد يفعلون أفعالهم بالقدرْ التي خلق اللّه تعالى فيهم فغلط منه عليهم. لأن معمرا منهم يزعم أن القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل اللّه تعالى والأصم ينفي وجود القدرة لأنه ينفي الأعراض كلها وكذلك دعوى إجماع المعتزلة على أن اللّه سبحانه لا يغفر لمرتكبي الكبائر من توبة منهم غلط منه عليهم لأن محمد بن شبيب البصري والصالحي والخالدي هؤلاء الثلاثة من شيوخ المعتزلة وهم وقفيه في عيد مرتكبي الكبائر وقد أجازوا من اللّه تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة وبأن ما ذكرناه غلط الكعبي فيما حكاه عن المعتزلة وصح أن المعتزلة يجمعها ما حكيناه عنهم مما أجمعوا عليه. فأما الذين اختلفوا فيه فيما بينهم فعلى ما نذكره في تفصيل فرقهم إن شاء اللّه عزّ وجلّ" انتهى كلام ابن منصور عبد القاهر بن طاهر.

ونحن نقول تبين مما مر أن مذهب القدرية يشمل جميع المعتزلة وهو القول بأن اللّه لا يخلق أفعال الناس ولكن الناس إنما يعملون أعمالهم بالقُدَر التي خلقها اللّه فيهم فهم أحرار فيما يعملون أي أن اللّه لم يقض على أحد أن يندفع إلى أي عمل من الأعمال بل وكله إلى نفسه وعقله يتصرف في أموره على ما يقتضيه ميله فإن عمل صالحا أثيب عليه وإن ساء لقي جزاء ما جنته يداه.


الكونفوشيوسية
الكونفوشيوسية ديانة أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف الحكيم كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفاً إليها من فلسفته وآرائه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. إنها تقوم على عبادة إله السماء أو الإِله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.

التأسيــس وأبــرز الشخصيــات
أولاً: كونفوشيوس
-يعتبر كونفوشيوس المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة الصينية.
-ولد سنة 551 ق.م. في مدينة تسو وهي إحدى مدن مقاطعة لو
-اسمه كونج وهو اسم القبيلة التي ينتمي إليها، وفوتس معناه الرئيس أو الفيلسوف، فهو بذلك رئيس كونج أو فيلسوفها.
- ينتسب إلى أسرة عريقة، فجدّه كان والياً على تلك الولاية، ووالده كان ضابطاً حربياً ممتازاً، وكان هو ثمرة لزواج غير شرعي، توفي والده وله من العمر ثلاث سنوات
- عاش يتيماً، فعمل في الرعي، وتزوج في مقتبل عمره قبل العشرين، ورزق بولد وبنت، لكنه فارق زوجته بعد سنتين من الزواج لعدم استطاعتها تحمل دقته الشديدة في المأكل والملبس والمشرب

- تلقى علومه الفلسفية على يدي أستاذه الفيلسوف لوتس صاحب النحلة الطاوية، حيث إنه يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها وذلك إحقاقاً للعدل.
- عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرسة لدراسة أصول الفلسفة، تكاثر تلاميذه حتى بلغوا ثلاثة آلاف تلميذ، بينهم حوالي ثمانين شخصاً عليهم أمارات النجابة والذكاء
- تنقل في عدد من الوظائف فقد عمل مستشاراً للأمراء والولاة، وعيّن قاضياً وحاكماً، ووزيراً للعمل، ووزيراً للعدل، ورئيساً للوزراء في سنة 496 ق. م حيث أقدم حينها على إعدام بعض الوزراء السابقين وعدداً من رجال السياسة وأصحاب الشغب حتى صارت مقاطعة "لو" نموذجية في تطبيق الآراء والمبادئ الفلسفية المثالية التي ينادي بها

- رحل بعد ذلك وتنقل بين كثير من البلدان ينصح الحكام ويرشدهم ويتصل بالناس يبث بينهم تعاليمه حاثاً لهم على الأخلاق القومية
- أخيراً عاد إلى مقاطعة "لو" فتفرغ لتدريس أصدقائه ومحبيه منكباً على كتب الأقدمين يلخّصها، ويرتبها، ويضمنها بعض أفكاره. وحدث أن مات ولده الوحيد عن خمسين عاماً، ومات تلميذه المحبب إليه هووي فحزن لذلك أشد الحزن. وحيده الذي بلغ الخمسين من عمره، وفقد كذلك تلميذه المحبّب إليه (هووي) فبكى عليه بكاء مرّاً.
- مات في سنة 479 ق.م بعد أن ترك مذهباً رسمياً وشعبياً استمرّ حتى منتصف القرن العشرين الحالي

ثانياً: صفاته الشخصية
- دمث، مرح، مؤدّب، يحبّ النكتة، يتأثر لبكاء الآخرين، يبدو قاسياً وغليظاً في بعض الأحيان، طويل، دقيق في المأكل والملبس والمشرب، مولع بالقراءة والبحث والتعلم والتعليم والمعرفة والآداب.
- مغرم بالبحث عن منصب سياسي بغية تطبيق مبادئه السياسية والأخلاقية لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها.
- خطيب بارع، ومتكلمّ مفوّه، لا يميل إلى الثرثرة، وعباراته موجزة تجري مجرى الأمثال القصيرة والحكم البليغة.

- لديه شعور ديني، يحترم الآلهة التي كانت معبودة في زمانه، ويداوم على تأدية الشعائر الدينية، يتوجه في عباداته إلى الإِله الأعظم أو إله السماء، يصلي صامتاً، ويكره أن يرجو الإِله النعمة أو الغفران إذ إن الصلاة لديه ليست إلا وسيلة لتنظيم سلوك الأفراد، والدّين - في نظره - أداة لتحقيق التآلف بين الناس.
- كان يغني، وينشد، ويعزف الموسيقى، وقد ترك كتاب الأغاني كما أنه كان مغرماً بالحفلات والطقوس، إلى جانب اهتمامه بالرماية وقيادة العربات والقراءة والرياضة (الحساب) ودراسة التاريخ.

ثالثاً: أبــرز الشخصــيات
- انقسمت الكونفوشيوسية بعده إلى اتجاهين
1- مذهب متشدد حرفي ويمثله "منسيوس" إذ يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس إذ إنه لم يتلق علومه مباشرة عنه بل إنه أخذها عن حفيده وهو الذي قام بتأليف كتاب الانسجام المركزي .
2-المذهب التحليلي، ويمثله هزنتسي ويانجتسي، إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشيوسي.

- تشو هزيوان عاش في عصر أسرة هان (127-200) ميلادية.
- تسي كنج ولد سنة 520م وأصبح من أعظم رجال السلك السياسي الصيني.
- تسي هسيا ولد سنة 507م وأصبح من كبار المتفقهين في الدين الكونفوشيوسي.
- تسينكتز كان أستاذاً لحفيد كونفوشيوس، ويأتي ترتيبه الثاني بعد منسيوس من حيث الأهمية.
- تشو هزي (1200-1130) ميلادية قام بنشر الكتب الأربعة التي كانت تدرس في المدارس الأولية والابتدائية في الصين، يعد الحجة الوحيدة في الآراء الكونفوشيوسية إذ كان يسند إليه تصحيح الامتحانات الدينية التي تؤهل المتقدمين لمباشرة الوظائف الحكومية

رابعاً: التطور التاريخي للفكر الكنفوشي
1- قام كونفوشيوس بنقل أفكار الأقدمين وآرائهم ومعتقداتهم وكتب ذلك بلغة عصره وعمل على تلقينها لثلاثة آلاف تلميذ.
2- العبادة في عصره كانت لإِله السماء أو الإِله الأعظم، ثم إله الأرض وتقديس الملائكة وعبادة أرواح الأجداد.
3- عندما مات كونفوشيوس دفن على مقربة من نهر استس في شمال المدينة حيث تكاثر الناس حول قبره شيئاً فشيئاً مشكلين قرية كونج.

4- ثم أخذوا يعقدون حول قبره الندوات العلمية.
5- بنوا معبداً قرب قبره، ثم أخبره باستلهام أفكاره، ثم وصلوا إلى تقديسه.
6-الفيلسوف موتزي (470-381) ق.م. أضاف فكرة جديدة وهي تشخيص إله السماء بشخص عظيم يشبه الآدميين.

7-استمروا في هذا التقديس حتى صار يعبد عبادة في عهد الإمبراطور الأول لأسرة هان 206ق.م. إذ أخذوا يقدمون القرابين عنده، وأصبح لزاماً على الوزراء وكبار الموظفين ورجال الدولة أن يزوروا قبره ومعبده قبل استلامهم لمهام وظائفهم الجديدة.
8-لاقت الكنفوشية اضطهاداً في عهد الإمبراطور "تشي إن شهّوانج" صاحب سور الصين العظيم، وقد استمر الاضطهاد من سنة 212 ق.م. إلى 207 ق.م. فقد أقدم على إحراق كتبهم وإعدام ودفن علمائهم وهم أحياء، وبلغ عدد المدفونين أحياء 460 فيلسوفاً.

9- في سنة 207 ق.م. قام الناس بثورة مما أعاد التقدير إلى أتباع الكونفوشية ودفع الأباطرة لإعادة صياغة كتبها.
10- عندما جاء الإمبراطور دوتي (140 - 87) ق.م. اتخذ من الكونفوشية ديناً رسمياً للدولة الصينية، واستمرت الكونفوشية محتلة لهذا المنصب الرفيع حتى سنة 1912م.
11- في سنة 422م أقيم معبد لكونفوشيوس يضم قبره.

12- في سنة 505م أقيم معبد آخر في العاصمة، وأصبحت كتبه تدرس في المدارس على أنها كتب مقدسة.
13- في سنة 630م أمر أحد الأباطرة ببناء معابد مزودة بتماثيل لكونفوشيوس في جميع أنحاء الإمبراطورية، كما أمر بإِنشاء كليات لتعليم آراء كونفوشيوس الذي أصبح رمزاً للوحدتين السياسية والدينية.
14- في سنة735م منح كونفوشيوس لقب (ملك).
15- في سنة 1013م منح لقب القديس الأعظم.

16- في سنة 1330م منح الأفراد المنحدرون من سلالته رتبة الشرف وصاروا يعدّون من طبقة النبلاء.
17- في سنة 1530م بدّلت التماثيل الموجودة في المعابد بصور ولوحات حتى لا تختلط الكونفوشية بالوثنية.
18- في سنة 1905م بدأ نجم الكونفوشية بالأفول، حيث أُلغي الامتحان الديني الذي كان يعتبر ضرورياً للتعيين في الوظائف.

19- في سنة 1910م ظهر شهاب هالي في الأجواء الصينية فاعتبر ذلك استياء من الآلهة على أسرة مانتشو التي بلغ الفساد في عهدها قمته مما أدى إلى ثورة شعبية انتهت بتنازل الإمبراطور عن العرش سنة 1912م وتحول الصين إلى النظام الجمهوري مما أدى إلى اختفاء الكونفوشية من الحياة الدينية والسياسية، لكنها بقيت ماثلة في الأخلاق والتقاليد الصينية.
20- في سنة 1928م صدر قرار بتحريم تقديم القرابين لكونفوشيوس ومنع إقامة الطقوس الدينية له

21- عندما استولى اليابانيون على منشوريا عادت الصين إلى استنهاض الهمم بالعودة إلى الكونفوشية وعاد الناس في عام (1930 - 1934م) إلى تقديم القرابين مرة ثانية، كما أعيد تدريس الكونفوشية في كل مكان لاعتقادهم بأن نكبتهم ترجع إلى إهمالهم تعاليم المعلم الأكبر، وسادت حركة إحياء جديدة بزعامة تشانج كاي شيك، وقد استمرت هذه الحركة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية

22- في عام 1949م سيطرت الشيوعية على الصين، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت الخلافات بين الصين والاتحاد السوفيتي بالظهور مما أوجد تبايناً بين كل منهما، وبعد موت الزعيم الصيني الشيوعي الشهير (ماو تسي تونج) بدأ التراجع عن الشيوعية في الصين، وبدأت رياح الغرب تهب عليها
23- يعتقد الباحثون بأن الروح الكونفوشية ستعمل على تغيير معالم الشيوعية مما يجعلها أبعد ما تكون عن الشيوعية الروسية لما للكونفوشية من سيطرة روحية على الشعب الصيني
24- ما تزال الكونفوشية تمثل الأساس الرئيسي للنظم الاجتماعية في فرموزا (الصين الوطنية)

الأفـــكار والمعتقـــدات
أولاً: الكتــب

- هناك مجموعتان أساسيتان تمثلان الفكر الكونفوشي فضلاً عن كثير من الشروح والتعليقات والتلخيصات، المجموعة الأولى تسمى الكتب الخمسة، والثانية تسمى الكتب الأربعة
- الكتب الخمسة: وهي الكتب التي قام كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب الأقدمين وهي
1-كتاب الأغاني أو الشعر: فيه 350 أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقى
2-كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخ الصيني السحيق
3-كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإِنسانية، وقد حوّله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإِنساني
4-كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخ يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 - 481 ق.م
5-كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة "تشو" تلك الأسرة التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.
- الكتب الأربعة: وهي الكتب التي ألّفها كونفوشيوس وأتباعه مدوِّنين فيها أقوال أستاذهم مع بعض التفسيرات أو التعليقات وهي تمثل فلسفة كونفوشيوس نفسه وهي
1-كتاب الأخلاق والسياسة
2-كتاب الانسجام المركزي
3-كتاب المنتخبات ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس
4-كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه

ثانياً: المعتقـدات الأســاسية
تتمثل المعتقدات الأساسية لديهم في الإِله أو إله السماء، والملائكة، وأرواح الأجداد.
1- الإِلـــه:
- يعتقدون بالإِله الأعظم أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات.
- للأرض إله، وهو إله الأرض، ويعبده عامة الصينيين
- للشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال ... لكل منها إله. وعبادتها وتقديم القرابين إليها مخصوصة بالأمراء
2- الملائكــة: يقدسون الملائكة ويقدمون إليها القرابين
3- أرواح الأجداد: يقدس الصينيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل

ثالثاً: معتقدات وأفكار أخرى
-لم يكن كونفوشيوس نبياً، ولم يدّع هو ذلك، بل يعتقدون بأنه من الذين فوَّضتهم السماء ليقوموا بإرشاد الناس وهدايتهم، فقد كان مداوماً على إقامة الشعائر والطقوس الدينية، وقد كان يعبد الإِله الأعظم والآلهة الأخرى على غير معرفة بهم ودون تثبت من حقيقة الآراء الدينية تلك.

- كان كونفوشيوس مغرماً بالسعي لتحقيق المدينة الفاضلة التي يدعو إليها وهي مدينة مثالية، لكنها تختلف عن مدينة أرسطو الفاضلة، إذ إنّ مدينة كونفوشيوس مثالية في حدود الواقع الممكن التحقيق والتطبيق فيما مدينة أرسطو تجنح إلى مثالية خيالية بعيدة عن مستوى التطبيق البشري القاصر. وكلا الفيلسوفين متعاصران
- الجنة والنار: لا يعتقدون بهما، ولا يعتقدون بالبعث أصلاً، إذ إنّ همَّهم منصبّ على إصلاح الحياة الدنيا، ولا يسألون عن مصير الأرواح بعد خروجها من الأجساد. وقد سأل كونفوشيوس أحد تلاميذه عن الموت، فقال: "إننا لم ندرس الحياة بعد، فكيف نستطيع أن ندرس الموت"

- الجزاء والثواب: إنما يكونان في الدنيا، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر
- القضاء والقدر: يعتقدون بذلك، فإن تكاثرت الآثام والذنوب كان عقاب السماء لهم بالزلازل والبراكين
- الحاكم ابن للسماء: فإذا ما قسا وظلم وجانب العدل فإن السماء تسلّط عليه من رعيته من يخلعه ليحلّ محلّه شخص آخر عادل
- الأخلاق: هي الأمر الأساسي الذي تدعو إليه الكونفوشية، وهي محور الفلسفة وأساس الدين، وهي تسعى إليه بتربية الوازع الداخلي لدى الفرد ليشعر بالانسجام الذي يسيطر على حياته النفسية مما يخضعها للقوانين الاجتماعية والقانونية بشكل تلقائي

- تظهر الأخــلاق في
طاعة الوالد والخضوع له
طاعة الأخ الأصغر لأخيه الأكبر
طاعة الحاكم والانقياد إليه
إخلاص الصديق لأصدقائه
عدم جرح الآخرين بالكلام أثناء محادثتهم
أن تكون الأقوال على قدر الأفعال، وكراهية ظهور الشخص بمظهر لا يتفق مع مركزه وحاله
البعد عن المحسوبية أو الوساطة أو المحاباة

-وتظهر أخلاق الحاكم في
احترام الأفراد الجديرين باحترامه
التودّد إلى من تربطهم به صلة قربى وقيامه بالتزاماته حيالهم
معاملة وزرائه وموظفيه بالحسنى
اهتمامه بالصالح العام، مع تشجيعه للفنون النافعة والنهوض بها
العطف على رعايا الدول الأخرى المقيمين في دولته
تحقيق الرفاهية لأمراء الإمبراطورية ولعامة أفرادها
- تحترم الكونفوشية العادات والتقاليد الموروثة، فهم محافظون إلى أبعد الحدود، يقدّسون العلم والأمانة، ويحترمون المعاملة اللينة من غير خضوع ولا استخذاء لجبروت
- يقوم المجتمع الكونفوشي على أساس احترام الملكية الفردية مع ضرورة رسم برنامج إصلاحي يؤدي إلى تنمية روح المحبّة بين الأغنياء والفقراء
- يعترفون بالفوارق بين الطبقات، ويظهر هذا جلياً حين تأدية الطقوس الدينية وفي الأعياد الرسمية وحين تقديم القرابين
- النظام الطبقي لديهم نظام مفتوح،إذ بإمكان أي شخص أن ينتقل من طبقته إلى أية طبقة اجتماعية أخرى إذا كانت لديه إمكانات تؤهله لذلك
- ليس الإِنسان إلا نتيجة لتزاوج القوى السماوية مع القوى الأرضية أي لتقمص الأرواح السماوية في جواهر العناصر الأرضية الخمسة. ومن هنا وجب على الإِنسان أن يتمتع بكل شيء في حدود الأخلاق الإِنسانية القويمة

-يبنون تفكيرهم على فكرة "العناصر الخمسة"
فتركيب الأشياء: معدن - خشب - ماء - نار - تراب
الأضاحي والقرابين خمسة
الموسيقى لها خمسة مفاتيح، والألوان الأساسية خمسة
الجهات خمس: شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط
درجات القرابة خمس: أبوّة - أمومة - زوجية - بنوّة - أخوّة

- تلعب الموسيقى دوراً هاماً في حياة الناس الاجتماعية، وتسهم في تنظيم سلوك الأفراد وتعمل على تعويدهم الطاعة والنظام، وتؤدي إلى الانسجام والألفة والإِيثار
- الرجل الفاضل هو الذي يقف موقفاً وسطاً بين ذاته المركزية وبين انفعالاته ليصل إلى درجة الاستقرار الكامل

الجــذور الفــكرية والعقائـــدية
- ترجع الكونفوشية إلى معتقدات الصينيين القدماء، تلك المعتقدات التي ترجع إلى 2600 سنة قبل الميلاد. وقد قبلها كونفوشيوس ومن ثم والكونفوشيون، دون مناقشة أو جدال أو تمحيص
- في القرن الرابع قبل الميلاد حدثت إضافة جديدة وهي عبادة النجمة القطبية لاعتقادهم بأنها المحور الذي تدور السماء حوله، ويعتقد الباحثون بأن هذه النزعة قد وفدت إليهم من ديانة بعض سكان حوض البحر المتوسط
- تغلبت الكونفوشية على النزعة الشيوعية والنزعة الاشتراكية اللتان طرأتا عليها في القرنين السابقين للميلاد وانتصرت عليهما. كما أنها استطاعت أن تصهر البوذية بالقالب الكونفوشي الصيني وتنتج بوذية صينية خاصة متميزة عن البوذية الهندية الأصلية
- لا تزال المعتقدات الكونفوشية موجودة في عقيدة أكثر الصينيين المعاصرين على الرغم من السيطرة السياسية للشيوعيين

الانتشــار ومواقــع النفـــوذ
- انتشرت الكونفوشية في الصين
- منذ عام 1949م زالت الكونفوشية عن المسرحين السياسي والديني لكنها ما تزال كامنة في روح الشعب الصيني الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير ملامح الشيوعية الماركسية في الصين
-ما تزال الكونفوشية ماثلة في النظم الاجتماعية في فرموزا أو (الصين الوطنية)
- انتشرت كذلك في كوريا وفي اليابان حيث درست في الجامعات اليابانية، وهي من الأسس الرئيسية التي تشكل الأخلاق في معظم دول شرق آسيا وجنوبها الشرقي في العصرين الوسيط والحديث
- حظيت الكونفوشية بتقدير بعض الفلاسفة الغربيين كالفيلسوف ليبنتز (1646 - 1716م) وبيتر نويل الذي نشر كتاب كلاسيكيات كونفوشيوس سنة 1711م. كما ترجمت كتب الكونفوشية إلى معظم اللغات الأوربية



المشبهة
المشبهة جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من الشيعة الحشوية صرحوا بتشبيه اللّه بخلقه فقالوا إنه صورة ذات أعضاء وأبعاد ويجوز عليه الانتقال والنزول والصعود والاستقرار. ذكر الأشعري المتوفى سنة(330) هـ عن محمد بن عيسى عن نصر وكهمش وأحمد الجهيمي من رؤساء المشبهة إنهم أجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة وأن المخلصين المسلمين يعاينونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا من الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص والاتحاد المحض. وحكى عن داود الخوارزمي إنه قال إن معبودهم جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين ومع ذلك فهو جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو لا يشبه شيئا من المخلوقات ولا يشبهه شيء وما أداهم إلى هذا المذهب العجيب إلا جمودهم على ظواهر ألفاظ القرآن مما يشير إلى ذلك مجازا كقوله تعالى{ يد اللّه فوق أيديهم} [ الفتح: 10] إلى غير ذلك من الآيات التي فيها معنى اليد القدرة ومعنى العين المراقبة والهيمنة مما تقتضيه اللغة العربية وبلاغاتها بل وما تقتضيه كل لغة من لغات الأمم ففي كل منها تشبيه ومجاز وكناية.
أما موقف أهل السنة المتشبعين بروح الدين الحقة مثل أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصْفهاني وأئمة السلف مثل مالك ابن أنس ومقاتل بن سليمان وغيرهما من هداة هذه الأمة فقد ذهبوا في نفي التشبيه إلى حد قالوا معه من حرك يده عند قراءة قوله تعالى{ خلقت بيدي} [ص: 75] أو أشار بأصبعه عند رواية هذا الحديث" قلب المؤمن بين اصبعين من أصابع الرحمن" وجب قطع يده وقطع أصبعه.